١٣

وإذا قيل لهم من قبل المؤمنين بطريق الأمر بالمعروف إثر نهيهم عن المنكر اتماما للنصح وإكمالا للإرشاد

آمنوا حذف المؤمن به لظهوره أو اريد افعلوا الإيمان

كما آمن الناس الكاف في محل النصب على انه نعت لمصدر مؤكد محذوف أي آمنوا إيمانا مماثلا لإيمانهم فما مصدرية أو كافة كما في ربما فإنها تكف الحرف عن العمل وتصحح دخولها على الجملة وتكون للتشبيه بين مضمونى الجملتين اى حققوا إيمانكم كما تحقق ايمانهم واللام للجنس والمراد بالناس الكاملون في الانسانية العاملون بقضية العقل فإن اسم الجنس كما يستعمل في مسماه يستعمل فيما يكون جامعا للمعاني الخاصة به المقصودة منه ولذلك يسلب عما ليس كذلك فيقال هو ليس بإنسان وقد جمعهما من قال

 ... إذ الناس ناس والزمان زمان ...

أو للعهد والمراد به الرسول ومن معه أو من آمن من أهل جلدتهم كابن سلام واضرابه والمعنى آمنوا ايمانا مقرونا بالإخلاص متمحضا عن شوائب النفاق مماثلا لإيمانهم قالوا مقابلين للأمر بالمعروف والانكار المنكر واصفين للمراجيح الرزان بضد أوصافهم الحسان

أنؤمن كما آمن السفهاء مشيرين باللام إلى من أشير اليهم في الناس من الكاملين أو المعهودين أو إلى الجنس بأسره وهم مندرجون فيه على زعمهم الفاسد والسفه خفة وسخافة رأي يورثهما قصور العقل ويقابله الحلم والاناة وانما نسبوهم اليه مع انهم في الغاية القاصية من الرشد والرزانة والوقار لكمال انهماك انفسهم في السفاهة وتماديهم في الغواية وكونهم ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا فمن حسب الضلال هدى يسمى الهدى لامحالة ضلال أو لتحقير شأنهم فإن كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم على تقدير كون المراد بالناس عبد اللّه بن سلام وأمثاله وأياما كان فالذي يقتضيه جزالة التنزيل ويستدعيه فخامة شأنه الجليل أن يكون صدور هذا القول عنهم بمحضر من المؤمنين الناصحين لهم جوابا عن نصيحتهم و حيث كان فحواه تسفيه أولئك المشاهير الأعلام والقدح في إيمانهم لزم كونهم مجاهرين لامنافقين وذلك مما لا يكاد يساعده السباق والسياق وعن هذا قالوا ينبغي أن يكون ذلك فيما بينهم لا على وجه المؤمنين قال الإمام الواحدي أنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم لا عند المؤمنين فأخبر اللّه تعالى نبي عليه السلام والمؤمنين بذلك عنهم وأنت خبير بأن ابراز ما صدر عن أحد المتحاورين في الخلاء في معرض ما جرى بينهما في مقام المحاورة مما لا عهد به في الكلام فضلا عما هو في منصب الاعجاز فالحق الذي لا محيد عنه ان قولهم هذا وان صدر عنهم بمحضر من الناصحين لا يقتضي كونهم مجاهرين فإنه ضرب من الكفر أنيق وفن في النفاق عريق مصنوع على شاكلة قولهم واسمع غير مسمع فكما أنه كلام ذو وجهين مثلهم محتمل للشر بأن يحمل على معنى اسمع منا غير مسمع كلاما ترضاه ونحوه وللخير بأن يحمل على معنى اسمع غير مسمع مكروها كانوا يخاطبون به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم استهزأ به مظهرين إرادة المعنى الاخير وهم مضمرون في انفسهم المعنى الأول مطمئنون به ولذلك نهوا عنه كذلك هذا الكلام محتمل للشر كما ذكر في تفسيره وللخير بأن يحمل على ادعاء الايمان كإيمان الناس وانكار ما اتهموا به من النفاق على معنى أنؤمن كما آمن السفهاء والمجانين الذين لا اعتداد بإيمانهم لو آمنوا ولا نؤمن كإيمان الناس حتى تأمرونا بذلك قد خاطبوا به الناصحين استهزاء بهم مرائين لإرادة المعنى الأخير وهم معولون على الأول فرد عليهم ذلك بقوله عز قائلا

ألا انهم هم السفهاء و لكن لايعلمون ابلغ رد وجهلوا اشنع تجهيل حيث صدرت الجملة بحر في التأكيد حسبما اشير اليه فيما سلف وجعلت السفاهة مقصورة عليهم وبالغة إلى حيث لايدرون أنهم سفهاء ومن هذا اتضح سر ما مر في تفسير قوله تعالى انما نحن مصلحون فإن حمله على المعنى الأخير كما هو رأي الجمهور مناف لحالهم ضرورة ان مشافهتهم للناصحين بادعاء كون ما نهوا عنه من الافساد إصلاحا كما مر اظهار منهم للشقاق وبروز اشخاصهم من نفق النفاق والاعتذار بأن المراد بما نهوا عنه مداراتهم للمشركين كما ذكر في بعض التفاسير وبالاصلاح الذي يدعونه اصلاح ما بينهم وبين المؤمنين ان معنى قوله تعالى الآ انهم هم المفسدون انهم في تلك المعاملة مفسدون لمصالح المؤمنين لأشعارها باعطاء الدنية وإنبائها عن ضعفهم الملجئ الى توسيط من يتصدى لأصلاح ذات البين فضلا عن كونهم مصلحين مما لا سبيل اليه قطعا فإن قوله تعالى ولكن لا يشعرون ناطق بفساده كيف لا وانه يقتضى ان يكون المنافقون في تلك الدعوى صادقين قاصدين للأصلاح ويأتيهم الإفساد من حيث لا يشعرون ولا ريب في انهم فيها كاذبون لا يعاشرونهم الآ مضارة للدين وخيانة للمؤمنين فأذن طريق حل الإشكال ليس الآ ما اشير اليه فإن قولهم انما نحن مصلحون محتمل للحمل على الكذب وانكار صدور الإفساد المنسوب اليهم عنهم على معنى انما نحن مصلحون لا يصدر عنا ما تنهوننا عنه من الإفساد وقد خاطبوا به الناصحين استهزاء بهم واراءة لأرادة هذا المعنى وهم معرجون على المعنى الأول فرد عليهم بقوله تعالى الآ انهم هم المفسدون الآية واللّه سبحانه اعلم بما اودعه في تضاعيف كتابه المكنون من السر المخزون نسأله العصمة والتوفيق والهداية الى سواء الطريق وتفصيل هذة الآية الكريمه بلا يعلمون لما انه اكثر طباقا لذكر السفه الذى هو فن من فنون الجهل ولأن الوقوف على ان المؤمنين ثابتون على الحق وهم على الباطل منوط بالتمييز بين الحق والباطل وذلك مما لا يتسنى الا بالنظر والاستدلال وأما النفاق وما فيه من الفتنة والافساد وما يترتب عليه من كون من يتصف به مفسدا فأمر بديهي يقف عليه من له شعور ولذلك فصلت الآيه الكريمة السابقة بلا يشعرون

﴿ ١٣