٢٤

فإن لم تفعلوا أي ما أمرتم به من الإتيان بالمثل بعد ما بذلتم في السعى غاية المجهود وجاوزتم في الحد كل حد معهود متشبثين بالذيول راكبين متن كل صعب وذلول وإنما لم يصرح به إيذانا بعدم الحاجة إليه بناء على كمال ظهور تهالكهم على ذلك وإنما أورد في حيز الشرط مطلق لفعل وجعل مصدر الفعل المأمور به مفعولا له للإيجاز البديع المغنى عن التطويل والتكرير مع سر سري استقل به المقام وهو الإيذان بالمقصود بالتكليف هو أيقاع نفس الفعل المأمور به لإظهار عجزهم عنه لا لتحصيل المفعول أي المأتى به ضرورة استحالته وأن مناط الجواب في الشرطية اعنى الأمر باتقاء النار هو عجزهم عن أيقاعه لا فوت حصول المفعول فإن مدلول لفظ الفعل هو انفس الأفعال الخاصة لازمة كانت أو متعدية من غير اعتبار تعلقاتها بمفعولاتها الخاصة فإذا علق بفعل خاص متعد فإنما يقصد به أيقاع نفس الفعل وإخراجه من القوة إلى الفعل

وأما تعلقه بمفعوله المخصوص فهو خارج عن مدلول الفعل المطلق وإنما يستفاد ذلك من الفعل الخاص ولذلك تراهم يتوسلون بذلك إلى تجريد الأفعال المتعدية عن مفعولاتها وتنزيلها منزلة الأفعال اللازمة فيقولون مثلا معنى فلان يعطى ويمنع يفعل الإعطاء والمنع يرشدك إلى هذا قوله تعالى فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون بعد قوله تعالى ائتوني بأخ لكم من أبيكم فإنه لما كان مقصود يوسف عليه السلام بالأمر ومرمى غرضه بالتكليف منه استحضار بنيامين لم يكتف في الشرطية الداعية لهم إلى الجد في الامتثال والسعى في تحقيق المأمور به بالاشارة الاجمالية إلى الفعل الذي ورد به الامر بأن يقول فإن لم تفعلوا بل أعاده بعينه متعلقا بمفعوله تحقيقا لمطلبه وإعرابا عن مقصده هذا

وقد قيل أطلق الفعل وأريد به الإتيان مع ما يتعلق به أما على طريقة التعبير عن الاسماء الظاهرة بالضمائر الراجعة إليها حذرا من التكرار أو على طريقة ذكر اللازم وإرادة الملزوم لما بينهما من التلازم المصحح للإنتقال بمعونة قرائن الحال فتدبروا إيثار كلمة إن المفيدة للشك على إذا مع تحقق الجزم بعدم فعلهم مجاراة معهم بحسب حسبانهم قبل التجربة أو التهكم بهم

ولن تفعلوا كلمة لن لنفي المستقبل كلا خلا إن في لن زيادة تأكيد وتشديد وأصلها عند الخليل لاإن وعند الفراء لا أبدلت ألفها نونا وعند سيبويه حرف مقتضب للمعنى المذكور وهي إحدى الروايتين عن الخليل والجملة إعتراض بين جزأى الشرطية مقرر لمضمون مقدمها ومؤكد لإيجاب العمل بتاليها وهذه معجزة باهرة حيث أخبر بالغيب الخاص علمه به عز و جل وقد وقع الأمر كذلك كيف لا ولو عارضوه بشيء يدانيه في الجملة لتناقله الرواة خلفا عن سلف

فاتقوا النار جواب للشرط على إن اتقاء النار كناية عن الاعتراز من العناد إذ بذلك يتحقق تسببه عنه وترتبه عليه كأنه قيل فإذا عجزتم عن الاتيان بمثله كما هو المقرر فاحترزوا من انكار كونه منزلا من عند اللّه سبحانه فإنه مستوجب للعقاب بالنار لكن أوثر عليه الكناية المذكورة المبنية على تصوير العناد بصورة النار وجعل الاتصاف به عين الملابسة بها للمبالغة في تهويل شأنه وتفظيع أمره وإظهار كمال العناية بتحذير المخاطبين منه وتنفيرهم عنه وحثهم على الجد في تحقيق المكنى عنه وفيه من الإيجاز البديع مالا يخفى حيث كان الاصل فإن لم تفعلوا فقد صح صدقه عندكم وإذا صح ذلك كان لزومكم العناد وترككم الايمان به سببا لاستحقاكم العقاب بالنار فاحتزروا منه واتقوا النار

التي وقودها الناس والحجارة صفة للنار مورثة لها زيادة هول وفظاعة أعاذنا اللّه من ذلك والوقود ما يوقد به النار وترفع من الحطب وقرئ بضم الواو وهو مصدر سمى به المفعول مبالغة كما يقال فلان فخر قومه وزين بلده والمعنى أنها من الشدة بحيث لاتمس شيئا من رطب أو يابس إلا أحرقته لا كنيران الدنيا تفتقرفي الالتهاب إلى وقود من حطب أو حشيش وإنما جعل هذا الوصف صلة للموصول مقتضيه لكون انتسابها إلى ما نسبت هي إليه معلوم للمخاطب بناء على أنهم سموه من أهل الكتاب قبل ذلك أو من الرسول أو سمعوا قبل هذه الآية المدنية قوله تعالى نارا وقودها الناس والحجارة فأشير ههنا إلى ما سمعوه أولا وكون سورة التحريم مدنية لا يستلزم كون جميع آياتها كذلك كما هو المشهور

وأما إن الصفة أيضا يجب أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند المخاطب فالخطب فيه هين لما أن المخاطب هناك المؤمنون وظاهر إنهم سمعوا ذلك من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم والمراد بالحجارة الاصنام وبالناس أنفسهم حسبما ورد في قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم الآية

أعدت للكافرين أي هيئت للذين كفروا بما نزلناه وجعلت عدة لعذابهم والمراد اما جنس الكفار والمخاطبون داخلون فيهم دخولا أوليا

وأما هم خاصة ووضع الكافرين موضع ضميرهم لذمهم وتعليل الحكم بكفرهم وقرئ اعتدت من العتاد بمعنى العدة وفيه دلالة على أن النار مخلوقة موجودة الآن والجملة استئناف لامحل لها من الاعراب مقررة لمضمون ما قبلها ومؤكدة لإيجاب العمل به ومبينة لمن أريد بالناس دافعة لإحتمال العموم

وقيل حال بإضمار قد من النار لا من ضميرها في وقودها لما في ذلك من الفصل بينهما بالخبر

وقيل صلة بعد صلة أو عطف على الصلة بترك العاطف

﴿ ٢٤