٤٠

يا بني اسرائيل تلوين للخطاب وتوجيه له الى طائفة خاصة من الكفرة المعاصرين للنبي لتذكيرهم بفنون النعم الفائضة عليهم بعد توجيهه الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وأمره بتذكير كلهم بالنعمة العامة لبني آدم قاطبة بقوله تعالى وإذا قال ربك الخ وإذ قلنا للملائكة الخ لأن المعنى كما أشير اليه بلغهم كلامي واذكر لهم إذ جعلنا أباهم خليفة في الأرض ومسجودا للملائكة عليهم السلام وشرفناه بتعليم الأسماء وقبلنا توبته والابن من البناء لأنه مبنى أبيه ولذلك ينسب المصنوع الى صانعه فيقال أبو الحرب وبنت فكر واسرائيل لقب يعقوب عليه السلام ومعناه بالعبرية صفوة اللّه

وقيل عبد اللّه وقرئ اسرائيل بحذف الياء واسرال بحذفهما واسرائيل بقلب الهمزة ياء واسرائيل بهمزة مفتوحة واسرائيل بهمزة مكسورة بين الراء واللام وتخصيص هذه الطائفة بالذكر والتذكير لما أنهم اوفر الناس نعمة واكثرهم كفرا بها

اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم بالتفكر فيها والقيام بشكرها وفيه اشعار بأنهم قد نسوها بالكلية ولم يخطروها بالبال لا أنهم اهملوا شكرها فقط وإضافة النعمة الى ضمير الجلالة لتشريفها وإيجاب تخصيص شكرها به تعالى وتقييد النعمة بهم لما أن الإنسان مجبول على حب النعمة فإذا نظر إلى ما فاض عليه من النعم حمله ذلك على الرضا والشكر قيل أريد بها ما أنعم به على آبائهم من النعم التي سيجيء تفصيلها وعليهم من فنون النعم التي أجلها إدراك عصر النبي عليه السلام وقرئ اذكروا من الافتعال ونعمتي بإسكان الياء واسقاطها في الدرج وهو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها

وأوفوا بعهدي بالإيمان والطاعة

اوفوا بعهدكم بحسن الإثابة والعهد يضاف إلى كل واحد ممن يتولى طرفيه ولعل الأول مضاف إلى الفاعل والثاني إلى المفعول فإنه تعالى عهد اليهم بالإيمان والعمل الصالح بنصب الدلائل وارسال الرسل وانزال الكتب ووعد لهم بالثواب على حسناتهم وللوفاء بهما عرض عريض فأول مراتبه منا هو الإتيان بكلمتي الشهادة ومن اللّه تعالى حقن الدماء والاموال وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث نغفل عن انفسنا فضلا عن غيرنا ومن اللّه تعالى الفوز باللقاء الدائم

وأما ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما اوفوا بعهدي في اتباع محمد اوف بعهدكم في رفع الآصار والأغلال وعن غيره اوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر اوف بالمغفرة والثواب أو اوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم اوف بالكرامة والنعيم المقيم فبالنظر الى الوسائط

وقيل كلاهما مضاف الى المفعول والمعنى اوفوا بما عاهدتموني من الإيمان والتزام الطاعة اوف بما عاهدتكم من حسن الإثابة وتفصيل العهدين قوله تعالى ولقد اخذ اللّه ميثاق بني اسرائيل الى قوله ولأدخلنكم جنات الخ وقرئ اوف بالتشديد للمبالغة والتأكيد

وإياي فارهبون فيما تأتون وما تذرون خصوصا في نقض العهد وهو آكد في إفادة التخصيص من إياك نعبد لما فيه مع التقديم من تكرير المفعول والفاء الجزائية الدالة على تضمن الكلام معنى الشرط كأنه قيل ان كنتم راهبين شيئا فارهبوني والرهبة خوف معه تحر زو الآية متضمنة للوعد والوعيد ودالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وان المؤمن ينبغي ان لا يخاف الا اللّه تعالى

﴿ ٤٠