٤١

وآمنوا بما انزلت افرد الإيمان بالقرآن بالأمر به لما انه العمدة القصوى في شأن الوفاء بالعهود

مصدقا لما معكم من التوراة والتعبير عنها بذلك للإيذان بعلمهم بتصديقه لها فإن المعية مئنة لتكرر المراجعة اليها والوقوف على ما في تضاعيفها المؤدى الى العلم بكونه مصدقا لها ومعنى تصديقه للتوراة انه نازل حسبما نعت فيها أو من حيث انه موافق لها في القصص والمواعيد والدعوة الى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصي والفواحش

وأما ما يتراءى من مخالفته لها في بعض جزئيات الاحكام المتفاوته بسبب تفاوت الاعصار فليست بمخالفة في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيث ان كلا منها حق بالإضافة الى عصره وزمانه متضمن للحكم التي عليها يدور فلك التشريع وليس في التوراة دلالة على ابدية احكامها المنسوخة حتى يخالفها ما ينسخها وإنما تدل على مشروعيتها مطلقا من غير تعرض لبقائها وزوالها بل نقول هي ناطقة بنسخ تلك الاحكام فان نطقها بصحة القرآن الناسخ لها نطق بنسخها فإذن مناط المخالفة في الاحكام المنسوخة انما هو اختلاف العصر حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال عليه السلام لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعي وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم لتأكيد وجوب الامتثال بالامر فإن ايمانهم بما معهم مما يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعا

ولا تكونوا اول كافر به أي لاتسارعوا الى الكفر به فإن وظيفتكم ان تكونوا اول من آمن به لما انكم تعرفون شانه وحقيته بطريق التلقي مما معكم من الكتب الإلهية كما تعرفون ابناءكم وقد كنتم تستفتحون به وتبشرونبزمانه كما سيجيء فلا تضعوا موضع ما يتوقع منكم ويجب عليكم مالا يتوهم صدوره عنكم من كونكم أول كافر به ووقوع أول كافر به خبرا من ضمير الجمع بتأويل أول فريق أو فوج أوبتأويل لا يكن كل واحد منكم أو كافر به كقولك كسانا حلة ونهيهم عن التقدم في الكفر به مع أن مشركي العرب أقدم منهم لما أن المراد به التعريض لا الدلالة على ما نطق به الظاهر كقولك أما أنا فلست بجاهل لأن المراد نهيهم عن كونهم أو كافر من أهل الكتاب أو ممن كفر بما عنده فإن من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدقه أو مثل من كفر من مشركي مكة وأول أفعل لا فعل له

وقيل أصله أوأل من وأل إليه إذا نجا وخلص فأبدلت الهمزة واوا تخفيفا غير قياسي أو أأول من آل فقلبت همزته واوا وادغمت

ولا تشتروا بآياتي أي لا تأخذوا لأنفسكم بدلا منها

ثمنا قليلا من الحظوظ الدنيوية فإنها وإن جلت قليلة مسترذلة بالنسبة إلى ما فات عنهم من حظوظ الآخرة بترك الإيمان قيل كانت لهم رياسة في قومهم ورسوم وهدايا فخافوا عليها لو اتبعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاختاروها على الإيمان وإنما عبر عن المشترى الذي هو العمدة في عقود المعاوضة والمقصود فيها بالثمن الذي شأنه أن يكون وسيلة فيها وقرنت الايات التي حقها أن يتنافس فيها المتنافسون بالباء التي تصحب الوسائل إيذانا بتعكيسهم حيث جعلوا ما هو المقصد الأصلي وسيلة والوسيلة مقصدا

وإياي فاتقون بالإيمان واتباع الحق والإعراض عن حطام الدنيا ولما كانت الآية السابقة مشتملة على ما هو كالمبادى لما في الآية الثانية فصلت بالرهبة التي هي من مقدمات التقوى أو لأن الخطاب بها لما عم العالم والمقلد أمر فيها بالرهبة المتناولة للفريقين

وأما الخطاب بالثانية فحيث خص بالعلماء أمر فيها بالتقوى الذي هو المنتهى

﴿ ٤١