١٤٠

أم تقولون إما معادلة للّهمزة في قوله تعالى أتحاجوننا داخلة في حيز الأمر على معنى أي الأمرين تأتون إقامة الحجة وتنوير البرهان على حقية ما انتم عليه والحال ما ذكر أم التشبث بذيل التقليد والافتراء على الأنبياء وتقولون

إن إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى فنحن بهم مقتدون والمراد إنكار كلا الأمرين والتوبيخ عليهما

وأما منقطعة مقدرة ببل والهمزة دالة على الإضراب والانتقال من التوبيخ على المحاجة إلى التوبيخ على الافتراء على الأنبياء عليهم السلام وقرئ أم يقولون على صيغة الغيبة فهى منقطعة لا غير غير داخلة تحت الأمر واردة من جهته تعالى توبيخا لهم وإنكارا عليهم لا من جهته عليه السلام على نهج الالتفات كما قيل هذا

وأما ماقيل من أن المعنى اتحاجوننا في شأن اللّه واصطفائه نبيا من العرب دونكم لما روى أن أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت ومعنى قوله تعالى وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم أنه لا اختصاص له تعالى بقوم دون قوم يصيب برحمته من يشاء من عباده فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا كما أكرمكم بأعمالكم كأنه ألزمهم على كل مذهب ينتحونه إفحاما وتبكيتا فإن كرامة البنوة إما تفضل من اللّه تعالى على من يشاء فالكل فيه سواء

وأما إفاضة حق على المستحقين لها بالمواظبة على الطاعة والتجلى بالإخلاص فكما أن لكم أعمالا ربما يعتبرها اللّه تعالى في إعطائها فلنا أيضا أعمال ونحن له مخلصون أي لا أنتم فمع عدم ملاءمته لسياق النظم الكريم وسياقه لاسيما على تقدير كون كلمة أم معادلة للّهمزة غير صحيح في نفسه لما أن المراد بالأعمال من الطرفين ما أشير إليه من الأعمال الصالحة والسيئة ولا ريب في أن أمر الصلاح والسوء يدور على موافقة الدين المبنى على البعثة ومخالفته فكيف يتصور اعتبار تلك الأعمال في استحقاق النبوة واستعدادها المتقدم على البعثة بمراتب

قل أأنتم أعلم أم اللّه إعادة الأمر ليست لمجرد تأكيد التوبيخ وتشديد الإنكار عليهم بل للإيذان بأن ما بعده ليس متصلا بما قبله بل بينهما كلام للمخاطبين مترتب على ما سبق مستتبع لما لحق قد ضرب عنه الذكر صفحا لظهورة وهو تصريحهم بما وبخوا عليه من الافتراء على الأنبياء عليهم السلام كما في قوله عز و جل قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون قال فما خطبكم أيها المرسلون وقوله عز قائلا قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت على فإن تكرير قال في الموضعين وتوسيطه بين قولى قائل واحد للإيذان بأن بينهما كلاما لصاحبة متعلقا بالأول والثاني بالتبعية والاستتباع كما حرر في محله أي كذبهم في ذلك وبكتهم قائلا إن اللّه يعلم وأنتم لاتعلمون وقد نفى عن ابراهيم عليه السلام كلا الأمرين حيث قال ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا واحتج عليه بقوله تعالى وما أنزلت التوراة والانجيل الا من بعده وهؤلاء المعطوفون عليه عليه السلام اتباعه في الدين وفاقا فكيف تقولون ما تقولون سبحان اللّه عما تصفون

ومن أظلم انكار لأن يكون احد اظلم

ممن كتم شهادة ثابتة

عنده كائنة

من اللّه وهي شهادته تعالى له عليه السلام بالحنيفية والبراءة من اليهودية والنصرانية حسبما تلى آنفا فعنده صفة لشهادة وكذا من اللّه جيء بهما لتعليل الانكار وتأكيده فإن ثبوت الشهادة عنده وكونها من جناب اللّه عز و جل من أقوى الدواعي الى اقامتها واشد الزواجر عن كتمانها وتقديم الأول مع أنه متأخر في الوجود لمراعاة طريقة الترقي من الأدنى الى الأعلى والمعنى أنه لا أحد أظلم من أهل الكتاب حيث كتموا هذه الشهادة وأثبتوا نقيضها بما ذكر من الافتراء وتعليق الأظلمية بمطلق الكتمان للإيماء الى أن مرتبة من يردها ويشهد بخلافها في الظلم خارجة عن دائرة البيان أولا أحد أظلم منا لو كتمناها فالمراد بكتمها عدم اقامتها في مقام المحاجة وفيه تعريض بغاية أظلمية أهل الكتاب على نحو ما أشير إليه وفي إطلاق الشهادة مع أن المراد بها ما ذكر من الشهادة المعنية تعريض بكتمانهم شهادة اللّه عز و جل للنبي في التوراة والإنجيل

وما اللّه بغافل عما تعملون من فنون السيئات فيدخل فيها كتمانهم لشهادته سبحانه وافتراؤهم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام دخولا أوليا أي هو محيط بجميع ما تأتون وما تذرون فيعاقبكم بذلك أشد عقاب وقرئ عما يعملون على صيغة الغيبة فالضمير إما لمن كتم باعتبار المعنى

وأما لأهل الكتاب وقوله تعالى ومن أظلم إلى آخر الآية مسوق من جهته تعالى لوصفهم بغاية الظلم وتهديدهم بالوعيد

﴿ ١٤٠