|
٩٣ ليس على الذي آمنوا وعملوا الصالحات جناح أي إثم وحرج فيما طعموا أي تناولوا أكلا أو شربا فإن استعماله في الشرب ايضا مستفيض منه قوله تعالى ومن لم يطعمه فإنه منى قيل لما أنزل اللّه تعالى تحريم الخمر بعد غزوة الأحزاب قال رجال من اصحاب النبي عليه الصلاة و السلام أصيب فلان يوم بدر وفلان يوم أحد وهو يشربونها ونحن نشهد أنهم في الجنة وفي رواية أخرى لما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهو يشربون الخمر ويأكلون الميسر وفي رواية أخرى قال ابو بكر رضي اللّه تعالى عنه يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا الخمر وفعلوا القمار فنزلت وليست كلمة ما في طعموا عبارة عن المباحات خاصة وإلا لزم تقييد غباحتها باتقاء ما عداها من المحرمات لقوله تعالى إذا ما اتقوا واللازم منتف بالضرورة بل هي عبارة على عمومها موصولوة كانت أو موصوفة وإنما تخصصت بذلك القيد الطارىء عليها والمعنى ليس عليهم جناح فيما تناولوه من المأكول والمشروب كائنا ما كان إذا اتقوا أن يكون في ذلك شيء من المحرمات وإلا لم يكن نفي الجناح في كل ما طعموه بل في بعضه ولا محذور فيه إذ اللازم منه تقييد غباحة الكل بأن لا يكون فيه محرم لا تقيد إباحة بعضه باتقاء بعض آخر منه كما هو اللازم من الأول وآمنوا وعملوا الصالحات أي واستمروا على الإيمان والأعمال الصالحة وقوله تعالى ثم اتقوا عطف على اتقوا داخل معه في حيز الشرط أي اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحا فيما سبق وآمنوا أي بتحريمه وتقديم الاتقاء عليه إما للاعتناء به أو لأنه الذي يدل على التحريم الحادث الذي هو المؤمن به واستمروا على الإيمان ثم اتقوا أي ما حرم عليهم بعد ذلك مما كان مباحا من قبل على أن المشروط بالاتقاء في كل مرة غباحة كل ما طعموه في ذلك الوقت لا إباحة كل ما طعموه قبله لانتساخ إباحة بعضه حينئذ وأحسنوا أي عملوا الأعمال الحسنة الجميلة المنظمة لجميع ما ذكر من الأعمال القلبية والقالبية وليس تخصيص هذه المرات بالذكر لتخصيص الحكم بها بل لبيان التعدد والتكرر بالغا ما بلغ والمعنى أنهم إذا اتقوا المحرمات واستمروا على ما هم عليه من الايمان والأعمال الصالحة وكانوا في طاعة اللّه ومراعاة أوامره ونواهيه بحيث كلما حرم عليهم شيء من المباحات اتقوه ثم وثم فلا جناح عليهم فيما طعموه في كل مرة من المطاعم والمشارب إذ ليس فيها شيء محرم عند طعمه وأنت خبير بأن ما عدا اتنقاء المحرمات من الصفات الجميلة المذكورة لا دخل لها في انتفاء الجناح وإنما ذكرت في حين إذا شهادة باتصاف الذين سئل عن حالهم بها ومدحا لهم بذلك وحمدا لأحوالهم وقد أشير إلى ذلك حيث جعلت تلك الصفات تبعا للاتقاء في كل مرة تمييزا بينها وبين ما له دخل في الحكم فإن مساق النظم الكريم بطريق العبارة وإن كان لبيان حال المصنفين بما ذكر من النعوت فيما سيأتي بقضية كلمة إذا ما لكنه قد أخرج مخرج الجواب عن حال الماضين لإثبات الحكم في حقهم في ضمن التشريع الكلي على الوجه البرهاني بطريق دلالة النص بناء على كمال اشتهارهم بالاتصاف بها فكأنه قيل ليس عليهم جمناح فيما طعموه إذا كانوا في طاعنه تعالى مع ما لهم من الصفات الحميدة بحيث كلما أمروا بشيء تلقوه بالامتثال وإنما كانوا يتعاطون الخمر والميسر في حياتهم لعدم تحريمها إذا ذاك ولو حرما في عصرهم لاتقوهما بالمرة هذا وقد قيل التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة أو باعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس وبين اللّه عز و جل ولذلك جيء بالإحسان في الكرة الثالثة بدل الإيمان إشارة إلى ما قله عليه الصلاة و السلام في تفسيره أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى أو باعتبار ما يتقى فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقيا من العقاب والشبهات توقيا من الوقوع في الحرام وبعض المباحات حفظا للنفس عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة وقيل التكرير لمجرد التأكيد كما في قوله تعالى كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ونظائره وقيل المراد بالأول اتقاء الكفر وبالثاني اتقاء الكبائر وبالثالث اتقاء الصغائر ولا ريب في أنه لا تعلق لهذه الاعتبارات بالمقام فأحسن التأمل واللّه يحب المحسنين تذييل مقرر لمضمون ما قبله أبلغ تقرير |
﴿ ٩٣ ﴾