|
١٠١ يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء هو اسم جمع على رأي الخليل وسيبويه وجمهور البصريين كطرفاء وقصباء أصله شيآه بهمزتين بينهما ألف فقلبت الكلمة بتقديم لامها على فائها فصار وزنها لفعاء ومنعت الصرف لألف التأنيث الممدودة وقيل هو جمع شيء على أنه مخفف من شيء كهين مخفف من هين والأصل أشيئاه كأهوناء بزنة أفعلاء فاجتمعت همزتان لام الكلمة والتي للتأنيث إذ الألف كالهمزة فخففت الكلمة بأن قلبت الهمزة الأولى ياء لانكسار ما قبلها فصارت أشيياء فاجتمعت ياءان أولاهما عين الكلمة فحذفت تخفيفا فصارت أشياء وزنها أفلاء ومنعت الصرف لألف التأنيث وقيل إنما حذفت من أشيياء الياء المنقلبة من الهمزة التي هي لام الكلمة وفتحت الياء المقصورة لتسلم ألف الجمع فوزنها أفعاء وقوله تعالى إن تبد لكم تسؤكم صفة لأشياء داعية إلى الانتهاء عن السؤال نها وحيث كانت المساءة في هذه الشرطية معلقة بإبدائها لا بالسؤال عنها عقبت بشرطية أخرى ناطقة باستلزام السؤال عنها لإبدائها الموجب للمحظور قطعا فقيل وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم أي تلك الأشياء الموجبة للمساءة بالوحي كما ينبىء عنه تقييد السؤال بحين التنزيل والمراد بها ما يشق عليهم ويغمهم من التكاليف الصعبة التي لا يطيقون بها والأسرار الخفية التي يفتضحون بها بظهورها ونحو ذلك مما لا خير فيه فكما أن السؤال عن الأمور الواقعة مستتبع لإبدائها كذلك السؤال عن تلك التكاليف مستتبع لإيجابها عليهم بطريق التشديد لإساءتهم الأدب واجترائهم على المسألة والمراجعة وتجاوزهم عما يليق بشأنهم من الاستسلام لأمر اللّه عز و جل من غير بحث فيه ولا تعرض لكيفيته وكميته أي لا تكثروا مساءلة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عما لا يعنيكم من نحو تكاليف شاقة وعليكم إن أفتاكم بها وكلفكم إياها حسبما أوحي إليه ولم تطيقوا بها نحو بعض أمور مستورة تكرهون بروزها وذلك ما روي عن علي رضي اللّه عنه أنه قال خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه ثم قال إن اللّه تعالى كتب عليكم الحج فقام رجل من بني أسد يقال له عكاشة ابن محسن وقيل هو سراقة بن مالك فقال أفي كل عام يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فأعرض عنه حتى أعاد مسألته ثلاث مرات فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ويحك وما يؤمنك أن اقول نعم لوجبت ولو وجبت ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ومثل ما روي عن أنس وأبي هريرة رضي اللّه عنهما أنه سأل الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن أشياء حتى أحفوه في المسألة فقام مغضبا خطيبا فحمد اللّه تعالى وأثنى عليه وقال سلوني فواللّه ما تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي هذا إلا بينته لكم فأشفق اصحاب النبي أن يكون بين يدي أمر قد حضر قال أنس رضي اللّه عنه فجعلت ألتفت يمينا وشمالا فلا أجد رجلا إلا وهو لاف رأسه في ثوبه يبكي فقام رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد اللّه بن حذافة وكان إذا لاحى الرجال يدعى إلى غير ابيه وقال يا نبي اللّه من أبي فقال أبوك حذافة بن قيس الزهري وقام آخر وقال أين أبي قال في النار ثم قام عمر رضي اللّه عنه فقال رضينا باللّه تعالى ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا نبيا نعوذ باللّه تعالى من الفتن إنا حديثو عهد بجاهلية وشرك فاعف عنا يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسكن غضبه عفا اللّه عنها استئناف مسوق لبيان أن نهيهم عنها لم يكن لمجرد صيانتهم عن المساءة بل لأنها في نفسها معصية مستتبعة للمؤاخذة وقد عفا عنها وفيه من حثهم على الجد في الانتهاء عنها ما لا يخفى وضمير عنها للمسألة المدلول عليها بلا تسألوا أي عفا اللّه تعالى عن مسائلكم السالفة حيث لم يفرض عليكم الحج في كل عام جزاء بمسألتكم وتجاوز عن عقوبتكم الأخروية بسائر مسائلكم فلا تعودوا إلى مثلها وأما جعله صفة اخرى لأشياء على أن الضمير لها بمعنى لا تسألوا عن أشياء عفا اللّه عنها ولم يكلفكم إياها فمما لا سبيل إليه اصلا لاقتدائه أن يكون الحج قد فرض أولا في كل عام ثم نسخ بطرق العفو وأن يكون ذلك معلوما للمخاطبين ضرورة أن حق الوصف أن يكون معلوم الثبوت للموصوف عند المخاطب قبل جعله وصفا له وكلاهما ضروري الانتفاء قطعا على أنه يستدعي اختصاص النهي بمسألة الحج ونحوها إن سلم وقوعها مع أن النظم الكريم صريح في أنه مسوق للنهي عن السؤال عن الأشياء التي التي يسوؤهم إبداؤها سواء كانت من قبيل الأحكام والتكاليف الموجبة لمساءتهم بإنشائها وإيحابها بسبب السؤال عقوبة وتجديدا كمسألة الحج لولا عفوه تعالى عنها أو من قبيل الأمور الواقعة قبل السؤال الموجبة للمساءة بالإخبار بها كمسألة من قال اين أبي إن قلت تلك الأشياء غير موجبة للمساءة البتة بل هي محتملة لإيجاب المسرة ايضا لأن إيجابها للأولى إن كانت من حيث وجودها فهي من حيث عدمها موجبة للأخرى قطعا وليست إحدى الحيثيتين محققة عند السائل وإنما غرضه من السؤال ظهورها كيف كانت بل ظهورها بحيثية إيجابها للمسرة فلم يعبر عنها بحيثية إيجابها للمساءة قلت لتحقيق المنهي عنه كما ستعرفه مع ما فيه من تأكيد النهي وتشديده لأن تلك الحيثية هي الموجبة للانتهاء والانزجار لا حيثية إيجابها للمسرة ولا حيثية ترددها بين الإيجابين إن قيل الشرطية الثانية ناطقة بأن السؤال عن تلك الأشياء الموجبة للمساءة مستلزم لإبدائها البتة كما مر فلا تخلف الإبداء عن السؤال في مسئلة الحج حيث لم يفرض في كل عام قلنا لوقوع السؤال قبل ورود النهي وما ذكر في الشرطية إنما هو السؤال الواقع بعد وروده إذ هو الموجب للتغليظ والتشديد ولا تخلف فيه إن قيل ما ذكرته إنما يتمشى فيم إذا كان السؤال عن الأمور المترددة بين الوقوع وعدمه كما ذكر من التكاليف الشاقة وأما إذا كان عن الأمور الواقعة قبله فلا يكاد يتسنى لأن ما يتعلق به الإبداء هو الذي وقع في نفس الأمر ولا مرد له سواء كان السؤال قبل النهي أو بعده وقد يكون الواقع ما يوجب المسرة كما في مسئلة عبد اللّه بن حذافة فيكون هو الذي يتعلق به الإبداء لا غيره فيتعين للتخلف حتما قلنا لا احتمال للتخلف فضلا عن التعين فإن المنهي عنه في الحقيقة إنما هو السؤال عن الأشياء الموجبة للمساءة الواقعة في نفس الأمر قبل السؤال كسؤال من قال اين أبي لا عما يعمها وغيرهما مما ليس بواقع لكنه محتمل للوقوع عند المكلفين حتى يلزم التخلف في صورة عدم الوقوع وجملة الكلام أن مدلول النظم الكريم بطريق العبارة إنما هو النهي عن السؤال عن الأشياء التي يوجب إبداؤها المساءة البتنة إما بأن تكون تلك الأشياء بعرضية الوقوع فتبدى عند السؤال بطريق الإنشاء عقوبة وتشديدا كما في صورة كونها من قبيل التكاليف الشافة وأما بأن تكون تلك الأشياء بعرضية الوقوع فتبدي عند السؤال بطريق الإنشاء عقوبة وتشديداكما في صورة كونها من قبيل التكاليف الشافة وأما بأن تكون واقعة في نفس الأمر قبل السؤال فتبدى عنده بطريق الإخبار بها فالتخلف ممتنع في الصورتين معا ومنشأ توهمه عدم الفرق بين المنهي عنه وبين غيره بناء على عدم امتياز ما هو موجود أو بعرضية الوجود من تلك الأشياء في نفس الأمر وما ليس كذلك عند المكلفين وملاحظتهم للكل باحتمال الوجود والعدم وفائدة هذا الإبهام الانتهاء عن السؤال عن تلك الأشياء على الإطلاق حذار إبداء المكروه واللّه غفور حليم اعتراض تذييلي مقرر لعفوه تعالى أي مبالغ في مغفرة الذنوب والإغضاء عن المعاصي ولذلك عفا عنكم ولم يؤاخذكم بعقوبة ما فرط منكم |
﴿ ١٠١ ﴾