٣

اتبعوا ما أنزل إليكم كلام مستأنف خوطب به كافة المكلفين بطريق التلوين وأمروا باتباع ما أمر النبي قبله بتبليغه بطريق الإنذار والتذكير وجعله منزلا إليهم بواسطة إنزاله إليه عليه الصلاة و السلام أثر ذكر ما يصححه من الإنذار والتذكير لتأكيد وجحوب اتباعه وقوله تعالى

من ربكم متعلق بأنزل على أن من لابتداء الغاية مجازا أو بمحذوف وقع حالا من الموصول أو من ضميره في الصلة وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين مزيد لطف بهم وترغيب لهم في الامتثال بما أمروا به وتأكيد لوجوبه وجعل ما أنزل ههنا عاما للسنة الوقلية والفعلية بعيد نعم يعمهما حكمه بطريق الدلالة لا بطريق العبارة ولما كان اتباع ما أنزله اللّه تعالى اتباعا له تعالى عقب الأمر بذلك بالنهي عن اتباع غيره تعالى فقيل

ولا تتبعوا من دونه أي من دونه أي من دون ربكم الذي أنزل إليكم ما يهديكم إلى الحق ومحله النصب على أنه حال من فافعل فعل النهي أي لا تتبعوا متجاوزين اللّه تعالى أولياء من الجن والإنس بأن تقبلوا منهم ما يلقونه إليكم بطريق الوسوسة والإغواء من الأباطيل ليضلوكم عن الحق ويحملوكم على البدع والأهواء الزائغة أو من أولياء قدم عليه لكونه نكرة إذ لو أخر عنه لكان صفة له أي أولياء كائنة غيره تعالى

وقيل الضمير للموصول على حذف المضاف في

أولياء أي ولا تتبعوا من دون ما أنزل أباطيل أولياء كأنه قيل ولا تتبعوا من دون دين ربكم دين أولياء وقرىء ولا تبتغوا كما في قوله تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا وقوله تعالى

قليلا ما تذكرون بحذف إحدى التاءين وتخفيف الذال وقرىء بتشديدها على إدغام التاء لمهموسة في الذال المجهورة وقرىء يتذكرون على صيغة الغيبة وقليلا نصب إما بما بعده على أنه نعت لمصدر محذوف مقدم للقصر أو لزمان كذلك محذوف ومكا مزيدة لتأكيد القلة أي تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تذكرون لا كثيرا حيث لا تتأثرون بذلك ولا تعملون بموجبه وتتركون دين اللّه تعالى وتتبعون غيره ويجوز أن يراد بالقلة العدم كما قيل في قوله تعالى فقليلا ما يؤمنون والجملة اعتراض تذييلي مسوق لتقبيح حال المخاطبين والالتفات على القراءة الأخيرة للإيذان باقتضاء سوء حالهم في عدم الامتثال بالأمر والنهي صرف الخطاب عنهم وحكاية جناياتهم لغيرهم بطريق المبالة

وأما نصب على أنه حال من فاعل لا تتبعوا وما مصدرية مرتفعة به أي لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا تذكركم لكن لا على توجيه النهي إلى المقيد فقط كما في قوله تعالى لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى بل إلى المقيد والقيد جميعا وتخصيصه بالذكر لكمزيد تقبيح حالهم بجمعهم بين المنكرين

﴿ ٣