١ براءة خبر مبتدأ محذوف وتنوينه للتفخيم وقرئ بالنصب أي اسمعوا براءة ومن في قوله تعالى من اللّه ورسوله ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لها ليفيدها زيادة تفخيم وتهويل أي هذه براءة مبتدأة من جهة اللّه تعالى ورسوله وصلة إلى الذين عاهدتم من المشركين وإنما لم يذكر ما تعلق به البراءة حسبما ذكر في قوله تعالى إن اللّه برئ من المشركين اكتفاء بما في حيز الصلة فإنه منئ عنه إنباء ظاهرا واحترازا عن تكرير لفظة من قيل هي مبتدأ لتخصصها بالصفة وخبره إلى الذين الخ والذي تقتضيه جزالة النظم هو الأول لأن هذه البراءة أمر حادث لم يعهد عند المخاطبين ذاتها ولا عنوان ابتدائها من اللّه تعالى ورسوله حتى يخرج ذلك العنوان مخرج الصفة لها ويجعل المقصود بالذات والعمدة في الإخبار شيئا آخر هو وصولها إلى المعاهدين وإنما الحقيق بأن يعتني بإفادته حدوث تلك من جهته تعالى ووصولها إليهم فإن حق الصفات قبل علم المخاطب بثبوتها لموصوفاتها أن تكون أخيارا وحق الأخبار بعد العلم بثبوتها لما هي له أن تكون صفات كما حقق في موضعه وقرئ من اللّه بكسر النون على أن الأصل في تحريك الساكن الكسر ولكن الوجه هو الفتح في لام التعريف خاصة لكثرة الوقوع والعهد العقد الموثق باليمين والخطاب في عاهدتم للمسلمين وقد كانوا عاهدوا مشركي العرب من أهل مكة وغيرهم بإذن اللّه تعالى واتفاق الرسول فنكثوا إلا بني ضمرة وبني كنانة فأمر المسلمون بنبذ العهد إلى الناكثين وأمهلوا أربعة أشهر ليسيروا أين شاءوا وإنما نسبت البراءة إلى اللّه ورسوله مع شمولها للمسلمين واشتراكهم في حكمها ووجوب العمل بموجبها وعلقت المعاهدة بالمسلمين خاصة مع كونها بإذن اللّه تعالى واتفاق الرسول للأنباء عن تنجزها وتحتمها من غير توقف على رأي المخاطبين لأنها عبارة عن إنهاء حكم الأمان ورفع الخطر المترتب على العهد السابق عن التعرض للكفرة وذلك منوط بجناب اللّه عز و جل لأنه أمر كسائر الأوامر الجارية على حسب حكمة تقتضيها وداعية تستدعيها تترتب عليها آثارها من غير توقف على شيء أصلا واشتراك المسلمين في حكمها ووجوب العمل بموجبها إنما هو على طريقة الامتثال بالأمر لا على أن يكون لهم مدخل في إتمامها أو في ترتب أحكامها عليها وأما المعاهدة فحيث كانت عقدا كسائر العقود الشرعية لا تتحصل في نفسها ولا تترتب عليها أحكامها إلا بمباشرة المتعاقدين على وجوه مخصوصة اعتبرها الشرع لم يتصور صدورها عنه سبحانه وإنما الصادر عنه في شأنها هو الإذن فيها وإنما الذي يباشرها ويتولى أمرها المسلمون ولا يخفى أن البراءة إنما تتعلق بالعهد لا بالإذن فيه فنسبت كل واحدة منهما إلى من هو أصل فيها على أن في ذلك تفخيما لشأن البراءة وتهويلا لأمرها وتسجيلا على الكفرة بغاية الذل والهوان ونهاية الخزى والخذلان وتنزيها لساحة السبحان والكبرياء عما يوهم شائبة النقص والنداء تعالى عن ذلك علوا كبيرا وإدراجه في النسبة الأولى وإخراجه عن الثانية لتنويه شأن الرفيع وإجلال قدره المنيع في كلا المقامين وإيثار الجملة الأسمية على الفعلية كأن يقال قد برئ اللّه ورسوله من الذين أو نحو ذلك للدلالة على دوامها واستمرارها وللتوسل إلى تهويلها بالتنوين التفخيمي كما أشير إليه |
﴿ ١ ﴾