٢٠ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللّه بأموالهم وأنفسهم استئناف لبيان مراتب فضلهم إثر بيان عدم الاستواء وضلال المشركين وظلمهم وزيادة الهجرة وتفصيل نوعي الجهاد للإيذان بأن ذلك من لوازم الجهاد لا أنه اعتبر بطريق التدارك أمر لم يعتبر فيما سلف أي هم باعتبار اتصافهم بهذه الأوصاف الجميلة أعظم درجة عند اللّه أي أعلى رتبة وأكثر كرامة ممن لم يتصف بها كائنا من كان وإن حاز جميع ما عداها من الكمالات التي من جملتها السقاية والعمارة وأولئك أي المنعوتون بتلك النعوت الفاضلة وما في اسم الإشارة من معنى البعد للدلالة على بعد منزلتهم في الرفعة هم الفائزون المختصون بالفوز العظيم أو بالفوز المطلق كأن فوز من عداهم ليس بفوز بالنسبة إلى فوزهم وأما على الثاني فهو توبيخ لمن يؤثر السقاية والعمارة من المؤمنين على الهجرة والجهاد روى أن عليا قال للعباس رضي اللّه عنهما بعد إسلامه يا عم ألا تهاجرون ألا تلحقون برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ألست في أفضل من الهجرة أسقى حاج بيت اللّه وأعمر المسجد الحرام فلما نزلت قال ما أراني إلا تارك سقايتنا فقال أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا وروى النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال رجل ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أسقى الحاج وقال آخر ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر الجهاد في سبيل اللّه أفضل مما قلتم فزجرهم عمر رضي اللّه عنه وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليتم استفتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما اختلفتم فيه فدخل فانزل اللّه عز و جل هذه الآية والمعنى أجعلتم أهل السقاية والعمارة من المؤمنين في الفضيلة والرفعة كمن آمن باللّه واليوم الآخر وجاهد في سبيله أو أجعلتموهما كالإيمان والجهاد وإنما لم يذكر الإيمان في جانب المشبه مع كونه معتبرا فيه قطعا تعويلا على ظهور الأمر وإشعارا بأن مدار إنكار التشبيه هو السقاية والعمارة دون الإيمان وإنما لم يترك ذكره في جانب المشبه به أيضا تقوية للإنكار وتذكيرا لأسباب الرجحان ومبادي الأفضلية وإيذانا بكمال التلازم بين الإيمان وما تلاه ومعنى عدم الاستواء عند اللّه تعالى على هذا التقدير ظاهر وكذا أعظيمة درجة الفريق الثاني وأما قوله تعالى واللّه لا يهدي القوم الظالمين فالمراد به عدم هدايته تعالى لهم لى معرفة الراجح من المرجوح وظلمهم بوضع كل منهما موضع الآخر لا عدم الهداية مطلقا ولا الظلم عموما والقصر في قوله تعالى وأولئك هم الفائزون بالنسبة إلى درجة الفريق الثاني أو إلى الفوز المطلق ادعاء كما مر واللّه أعلم |
﴿ ٢٠ ﴾