٥

ما تسبق من أمة من الأمم المهلكة وغيرهم

أجلها المكتوب في كتابها أي لا يجيء هلاكها قبل مجيء كتابها أولا تمضي أمة قيل مضى أجلها فإن السبق إذا كان واقعا على زماني فمعناه المجاوزة والتخليف فإذا قلت سبق زيد عمرا فمعناه أنه جاوزه وخلفه وراءه وإذا كان واقعا على زمان كان الأمر بالعكس والسر في ذلك أن الزمان يعتبر فيه الحركة والتوجه إلى المتكلم فما سبقه يتحقق قبل تحققه

وأما الزماني فإنما يعتبر فيه الحركة والتوجه إلى ما سيأتي من الزمان فالسابق ما تقدم إلى المقصد وإيراده بعنوان الأجل باعتبار ما يقتضيه من السبق كما أن إيراده بعنوان الكتاب المعلوم باعتبار ما يوجبه من الإهلاك

وما يستأخرون أي وما يتأخرون وصيغة الإستفعال للإشعار بعجزهم عن ذلك مع طلبهم له وإيثار صيغة المضارع في الفعلين بعد ما ذكر نفي الإهلاك بصيغة الماضي لأن المقصود بيان دوامهما واستمرارهما فيما بين الأمم الماضية والباقية وإسنادهما إلى الأمة بعد إسناد الإهلاك إلى القرية لما أن السبق والاستئخار حال الأمة دون القرية مع ما في الأمة من العموم لأهل تلك القرى وغيرهم ممن أخرت عقوباتهم إلى الآخرة وتأخير ذكر عدم تأخرهم عن ذكر عدم سبقهم مع كون المقام مقام المبالغة في بيان تحقق عذابهم أما باعتبار تقدم السبق في الوجود

وأما باعتبار أن المراد بيان سر تأخير عذابهم مع استحقاقهم لذلك وإيراد الفعل على صيغة جمع المذكر للحمل على المعنى مع التغليب ولرعاية الفواصل ولذلك حذف الجار والمجرور والجملة مبينة لما سبق والمعنى أن تأخير عذابهم إلى يوم القيامة حسبما أشير إليه ببيان ودادتهم للإسلام إذ ذاك وبالأمر بتركهم وشأنهم إلى أن يعلموا حقيقة الحال إنما هو لتأخر أجلهم المقدر لما يقتضيه من الحكم البالغة ومن جملتها ما علم اللّه تعالى من إيمان بعض من يخرج منهم إلى يوم القيامة

وقالوا شروع في بيان كفرهم بمن أنزل عليه الكتاب بعد بيان كفرهم بالكتاب وما يئول إليه حالهم والقائلون مشركو مكة لغاية تماديهم في العتو والغي

يأبها الذي نزل عليه الذكر خاطبوا به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تسليما لذلك واعتقادا له بل استهزاء به عليه الصلاة و السلام وإشعارا بعلة حكمهم الباطل في قولهم

إنك لمجنون كدأب فرعون إذ قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون يعنون يامن يدعى مثل هذا الأمر البديع الخارق للعادات إنك بسبب تلك الدعوى أو بشهادة ما يعتريك عند ما تدعى أنه ينزل عليك لمجنون وتقديم الجار والمجرور على القائم مقام الفاعل لأن إنكارهم متوجه إلى كون النازل ذكرا من اللّه تعالى لا إلى كون المنزل عليه رسول اللّه بعد تسليم كون النازل منه تعالى كما في قوله تعالى لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فإن الإنكار هناك متوجه إلى كون المنزل عليه رسول اللّه تعالى وإيراد الفعل على صيغة المجهول لإيهام أن ذلك ليس بفعل له فاعل أو لتوجيه الإنكار إلى كون التنزيل عليه لا إلى استناده إلى الفاعل لو تأتينا كلمة لو عند تركبها مع ما تفيد ماتفيده عند تركبها مع لامن معنى امتناع الشيء لوجود غيره ومعنى التحضيض خلا أنه عند إزادته لا يليها إلا فعل ظاهر أو مضمر وعند إرادة المعنى الأول لا يليها إلا اسم ظاهر أو مقدر عند البصريين والمراد ههنا هو الثاني أي هلا

تأتينا بالملائكة يشهدون بصحة نبوتك ويعضدونك في الإنذار كقوله تعالى لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيرا أو يعاقبوننا على التكذيب كما تأتي الأمم المكذبة لرسلهم

إن كنت من الصادقين في دعواك فإن قدرة اللّه تعالى على ذلك مما لا ريب فيه وكذا احتياجك إليه في تمشية أمرك فإنا لا نصدقك بدون ذلك أو إن كنت من جملة تلك الرسل الصادقين الذين عذبت أممهم المكذبة لهم

﴿ ٥