٩

إنا ما ننزل الملائكة للتعذيب غلا تنزيلا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه الحكمة وتستدعيه المصلحة حتما بحيث لا محيد عنه ولو نزلناهم حسبما اقترحوا ما كان ذلك التنزيل ملتبسا بمقتضى الحكمة الموجبة لتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لا رفقا بهم بل تشديدا عليهم كما مر من قبل وحيث كان في نسبة تنزيلهم للتعذيب إلى عدم موافقته الحكمة نوع إيهام لعدم استحقاقهم التعذيب عدل عما يقتضيه الظاهر إلى ما عليه النظم الكريم فكأنه قيل لو نزلناهم ما كانوا منظرين وذلك غير موافق للحكمة الموجبة لتأخير عذابهم لتشديد عقابهم

وقيل المراد بالحق الوحي

وقيل العذاب فتدبر

إنا نحن نزلنا الذكر رد لإنكارهم التنزيل واستهزائهم برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بذلك وتسلية له أي نحن بعظم شأننا وعلو جنابنا نزلنا ذلك الذكر الذي أنكروه وأنكروا نزوله عليك ونسبوك بذلك إلى الجنون وعموا منزله حيث بنوا الفعل للمفعول إيماء إلى أنه أمر لا مصدر له وفعل لا فاعل له

وإنا له لحافظون من كل مالا يليق به فيدخل فيه تكذيبهم له واستهزاؤهم به دخولا أوليا فيكون وعيدا للمستهزئين

وأما الحفظ عن مجرد التحريف والزيادة والنقص وأمثالها فليس بمقتضى المقام فالوجه الحمل على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطعن فيه والمجادلة في حقيته ويجوز أن يراد حفظه بالإعجاز دليلا على التنزيل من عنده تعالى إذ لو كان من عند غير اللّه لتطرق عليه الزيادة والنقص والإختلاف وفي سبك الجملتين من الدلالة على كمال الكبرياء والجلالة وعلى فخامة شأن التنزيل مالا يخفى وفي إيراد الثانية بالجملة الأسمية دلالة على دوام الحفظ واللّه سبحانه أعلم وقبل الضمير المجرور للرسول صلى اللّه عليه و سلم كقوله تعالى واللّه يعصمك من الناس وتأخير هذا الكلام وإن كان جوابا عن أول كلامهم الباطل ردا له لما ذكر آنفا ولارتباطه بما يعقبه من قوله تعالى

﴿ ٩