|
٦٦ بل أدارك علمهم في الآخرة لما نفى عنهم علم الغيب وأكد ذلك بنفي شعورهم بوقت ما هو مصيرهم لا محالة بولغ في تأكيده وتقريره بأن أضرب عنه وبين أنهم في جهل أفحش من جهلهم بوقت بعثهم حيث لا يعلمون أحوال الآخرة مطلقا مع تعاضد أسباب معرفتها على أن معنى أدارك علمهم في الآخرة تدارك وتتابع علمهم في شأن الآخرة التي ما ذكر من البعث حال من أحوالها حتى انقطع ولم يبق لهم علم بسيء مما سيكون فيها قطعا لكن لا على معنى أنه كان لهم علم بذلك على الحقيقة ثم انتفى شيئا فشيئا بل على طريقة المجاز بتنزيل أسباب العلم ومباديه من الدلائل العقلية والسمعية منزلة نفسه وإجراء تساقطها عن درجة اعتبارهم كلما لاحظوها مجرى تتابعها إلىالانقطاع ثم أضرب وانتقل عن بيان عدم علمهم بها إلى بيان ما هو أسوأ منه وهو حيرتهم في ذلك حيث قيل بل هم في شك منها أي في شك مريب من نفس الآخرة وتحققها كمن تحير في أمر لا يجد عليه دليلا فضلا عن الأمور التي ستقع فيها ثم أضرب عن ذلك إلى بيان أن ما هم فيه أشد وأفظع من الشك حيث قيل بل هم منها عمون بحيث لا يكادون يدركون دلائلها لاختلال بصائرهم بالكلية وقرئ بل أدرك علمهم بمعنى انتهى وفنى وقد فسره الحسن البصري اضمحل علمهم وقيل كلنا الصيغتين على معناها الظاهر أي تكامل واستحكم أو تم أسباب علمهم بأن القيامة كائنة لا محالة من الآيات القاطعة والحجج الساطعة وتمكنوا من المعرفة فضل تمكن وهم جاهلون في ذلك وقوله تعالى بل هم في شك منها إضراب وانتقال من وصفهم بمطلق الجهل إلى وصفهم بالشك وقوله تعالى بل هم منها عمون إضراب من وصفهم بالشك إلى وصفهم بما هو أشد منه وأفظع من العمى وأنت خبير بأن تنزيل أسباب العلم منزلة العلم سنن مسلوك لكن دلالة النظم الكريم على جهلهم حينئذ ليست بواضحة وقيل المراد بوصفهم باستحكام العلم وتكامله التهكم بهم فيكون وصفا لهم بالجهل مبالغة والإضرابان على ما ذكر واصل ادارك تدارك وبه قرأ ابي فأبدلت التاء دالا وسكنت فتعذر الابتداء فاجتلبت همزة الوصل فصار ادارك وقرئ بل ادرك وأصله افتعل وبل أأدرك بهمزتين وبل آأدرك بألف بينهما وبل أدرك بالتخفيف والنقل وبل أدرك بفتح اللام وتشديد الدال وأصله بل أدرك على الاستفهام وبلى أدرك وبلى أأدرك وأم تدارك وأم أدرك فهذه ثنتا عشرة قراءة فما فيه استفهام صريح أو مضمن من ذلك فهو إنكار ونفي وما فيه بلى فإثبات لشعورهم وتفسير له بالإدراك على وجه التهكم الذي هو أبلغ وجوه النفي والإنكار وما بعده إضراب عن التفسير مبالغة في النفي ودلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها بل أنهم منها عمون أورد إنكار لشعورهم |
﴿ ٦٦ ﴾