٢٣

ولا تنفع الشفاعة عنده أي لا توجد رأسا كما في قوله ولا ترى الضب بها ينجحر لقوله تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحا بنفى ما هو غرضهم من وقوعها وقوله تعالى

إلا لمن أذن له استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لاتقع الشفاعة في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له في الشفاعة من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة فتبين حرمان الكفرة منها بالكلية أما من جهة أصنامهم فلظهور انتفاء الإذن لها ضرورة استحالة الإذن في الشفاعة لجماد لا يعقل ولا ينطق

وأما من جهة من يعبدونه من الملائكة فلأن إذنهم مقصور على الشفاعة للمستحقين لها لقوله تعالى لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ومن البين أن الشفاعة للكفرة بمعزل من الصواب أولا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له أي لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة

وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم اصلا وإن فرض وقوعها وصدورها عن الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم فعلى هذا يثبت حرمانهم من شفاعة هؤلاء بعبارة النص ومن شفاعة الاصنام بدلالته إذ حيث حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين إليها فلأن حرموها من جهة العجزة عنها أولى وقرئ أذن له مبنيا للمفعول

حتى إذا فزع عن قلوبهم أي قلوب الشفعاء والمشفوع لهم من المؤمنين

وأما الكفرة فهم من موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف منزل والتفزيع إزالة الفزع ثم ترك ذكر الفزع وأسند الفعل الى الجار والمجرور وحتى غاية لما ينبئ عنه ما قبلها من الإشعار بوقوع الإذن لمن أذن له فإنه مسبوق بالاستئذان المستدعى للترقب والانتظار للجواب كأنه سئل كيف يؤذن لهم

فقيل يتربصون في موقف الاستئذان والاستدعاء ويتوقفون على وجل وفزع مليا حتى اذا ازيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتا والتي وظهرت لهم تباشيرا الاجابة

قالوا أي المشفوع لهم اذهم المحتاجون الى الاذن والمهتمون بأمره

ماذا قال ربكم أي في شأن الاذن

قالوا أي الشفعاء لانهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون بينهم وبينه عز و جل بالشفاعة

الحق أي قال ربنا القول الحق وهو الاذن في الشفاعة للمستحقين لها وقرىء الحق مرفوعا أي ما قاله الحق

وهو العلى الكبير من تمام كلام الشفعاء قالوه اعترافا بغاية عظمة جناب العزة عز و جل وقصور شأن كل من سواه أي هو المنفرد بالعلو والكبرياء ليس لاحد من اشراف الخلائق ان يتكلم الا بإذنه وقرىء فزع مخففا بمعنى فزع وقرىء فزع على البناء للفاعل وهو اللّه وحده وقرىء فزع بالراء المهملة والغين المعجمة أي نفي الوجل عنها وافنى من فرغ الزاد اذا لم يبق منه شيء وهو من الاسناد المجازي لان الفراغ وهو الخلو حال ظرفه عند نفاده فأسند اليه على عكس قولهم جرى النهر وعن الحسن تخفيف الراء واصله فرغ الرجل عنها أي انتفى عنها وفنى ثم حذف الفاعل واسند الى الجار والمجرور وبه يعرف حال التفريغ وقرىء ارتفع عن قلوبهم بمعنى انكشف عنها

﴿ ٢٣