|
١٢ فقضاهن سبع سموات تفسير وتفصيل لتكوين السماء المجمل المعبر عنه بالأمر وجوابه لا أنه فعل مترتب على تكونيها أي خلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة والضمير إما للسماء على المعني أو مبهم وسبع سموات حال على الأول تميز على الثاني في يومين في وقت مقدر بيومين وقد بين مقدار زمان خلق الأرض وخلق ما فيها عند بيان تقديرهما فكان خلق الكل في ستة أيام حسبما نص عليه في مواقع من التنزيل وأوحى في كل سماء أمرها عطف على قضاهن أي خلق في كل منها ما في الملائكة والنيرات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا اللّه تعالى كما قاله قتادة والسدى فالوحى عبارة عن التكوين كألأمر مقيد بما قيد به المعطوف عليه من الوقت أو اوحى إلى أهل كل منها أوامره وكلفهم ما يليق بهم من التكاليف فهو بمعناه ومطلق عن القيد وأياما كان فعلى ما قرر من التفصيل لادلة في الآية الكريمة على الترتيب بين إيجاد الأرض وإيجاد السماء وإنما الترتيب بين التقدير والإيجاد وأما على تقدير كون الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظاهرة فهي وما في سورة البقرة من قوله تعالى هو الذى خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سموات تدلان على خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وعليه إطباق أكثر أهل التفسير وقد روى أن العرش العظيم كان قبل خلق السموات والأرض على الماء ثم إنه تعلى أحدث في الماء اضطرابا فأزبد فارتفع منه دخان فأما الزبد فبقي على وجه الماء فخلق فيه اليبوسة فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها أرضين وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السموات وروى أنه تعالى خلق جرم الأرض يوم الأحد ويوم الأثنين الأثنين ودحاها وخلق ما فيها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وخلق السموات وما فيهن يوم الخميس ويوم الجمعة وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة منه وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة وقيل إن خلق جرم الأرض مقدم على خلق المسوات لكن دحوها وخلق ما فيها مؤخر عنه لقوله تعالى والأرض بعد ذلك دحاها ولما اروى عن الحسن رحمه اللّه تعالى أنه خلق الأرض في موضع بيت المقدس كهيئة القهر عليه دخان ملتزق بها ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات وأمسك الفهر في موضعها وبسط منها الأرض وذلك قوله تعالى كانتا رتقا ففتقناهما الآية وليس المراد بنظمها مع السماء في سلك الأمر بالإتيان إنشاءها وإحداثها بل إنشاء دحوها وجلعها على وجه خاص يليق بها من شكل معين ووصف مخصوص كأنه قيل ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه أئتى يا أرض مدحورة قرارا ومهادا لأهلك وائتى يا سماء مقبية سقفا لهم ومعنى الإتيان الحصول على ذلك الوجه كما تنبىء عنه قراءة آتيا وآتينا من المواتاة وهي الموافقة وأنت خبير بأن المذكور قبل الأمر بالإتيان ليس مجرد خلق جزم الأرض حتى يتأتى ما ذكر بل خلق ما فيها أيضا من الأمور المتأخرة عن دحوها قطعا فالأ ظهر أن يسلك مسلك الأولين ويحمل الأمر بالإتيان على تكوينهما متوافقين على الوجه المذكور وليس من ضرورته أن يكون دحوها مترتبا على ذلك التكوين وإنما اللازم ترتب حصول التوافق عليه ولا ريب في أن تكوين السماء على الوجه اللائق بها كاف في حصوله ولا يقدح في ذلك تكوين الأرض على الوجه المذكور قبل ذلك وأن يجعل الأرض في قوله تعالى والأرض بعد ذلك دحاها منصوبا بمضمر قد حذف علىلا شرطية التفسير ويجعل ذلك إشارة إلى ذكر ما ذكر من بناء السماء ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا إلى أنفسها وتحمل البعدية إما على أنه قاصر عن الأول في الدلالة على القدرة القاهرة كما قيل وأما على أنه ادخل في الإلزام لما أن المنافع المنوطة بما في الأرض اكثر وتعلق مصالح الناس بذلك أظهروا إحاطتهم بتفاصيلها أكمل وليس ما روى عن الحسن رضى اللّه عنه نصا في تأخر دحو الأرض عن خلق السماء فإن بسط الأرض معطوف على إصعاد الدخان وخلق السماء بالواو فلا دلالة في ذلك على الترتيب قطعا وقد نقل الإمام الواحدى عن مقاتل أن خلق السماء مقدم على إيجاد الأرض فضلا عن دحوها عن دحوها فلا بد من حمل الأمر بإتيانهما حينئذ أيضا على ما ذكر من التوافق والمواتاة ولا يقدح في ذلك تقدم خلق السماء على خلق الأرض كما لم يقدح فيه تقدم خلق الأرض على خلق السماء هذا كله على تقدير كون كلمة ثم للتراخي الزماني وأما على تقدير كونها للتراخي الرتبي كما جنح إليه الأكثرون فلا دلالة في الآية الكريمة على الترتيب كما في الوجه الأول وعلى ذلك بني الكلام في تفسير قوله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا الآية وإنما لم يحمل الخلق هناك على معنى التقدير كما حمل عليه هنا لتوفيه مقام الامتنان حقه وزينا السماء الدنيا بمصابيح من الكواكب فإنها كلها ترى متلألئة عليها كأنها فيها والالتفات إلى نون العظمة لإبراز مزيد العناية بالأمر وقوله تعالى وحفظا مصدر مؤكد لفعل معطوف على زينا أي وحفظناها من الافات أو من المسترقة حفظا وقيل مفعول له على المعنى كأنه قيل وخلقنا المصابيح زينة وحفظا ذلك الذي ذكر بتفاصيله تقدير العزيز العليم المبالغ في القدرة والعلم |
﴿ ١٢ ﴾