١٠إنما المؤمنون أخوة استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح أى أنهم منتسبون إلى أصل واحد هو الإيمان الموجب للحياة الأبدية والفاء فى قوله تعالى فأصلحوا بين أخويكم للإيذان بأن الآخرة الدينية موجبة للإصلاح ووضع المظهر مقام المضمر مضافا إلى المأمورين للمبالغة فى تأكيد وجوب الإصلاح والتحضيض عليه وتخصيص الإثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بالطريق الأولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه وقيل المراد بالأخوين الأوس والخزرج وقرئ بين أخوتكم وإخوانكم واتقوا اللّه فى كل ما تأتون وما تذرون ومن الأمور التى من جملتها ما أمرتم به من الإصلاح لعلكم ترحمون راجين أن ترحموا على تقواكم ١١يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم أى منكم من قوم آخرين أيضا منكم وقوله تعالى عسى أن يكونوا خيرا منهم تعليل للنهى أو لموجبه أى عسى أن يكون المسخور منهم خيرا عند اللّه تعالى من الساخرين والقوم مختص بالرجال لأنهم القوام على النساء وهو فى اللأصل أما جمع قائم كصوم وزور فى جمع صائم وزائر أو مصدر نعت به فشاع فى الجمع وأما تعميمه للفريقين فى مثل قوم عاد وقوم فرعون فإما للتغليب أو لأنهن توابع واختيار الجمع لغلبة وقوع السخرية فى المجمع والتنكير أما للتعميم أو للقصد إلى نهى بعضهم عن سخرية بعض لما أنها مما يجرى بين بعض وبعض ولا نساء أى ولا تسخر نساء من المؤمنات من نساء منهن عسى أن يكن أى المسخور منهن خيرا منهن أى من الساخرات فإن مناط الخيرية فى الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التى عليها يدور أمر السخرية غالبا بل إنما هو الأمور الكامنة فى القلوب فلا يجترئ أحد على استحقار أحد فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند اللّه تعالى فيظلم نفسه بتحقير من وقره اللّه تعالى والاستهانة بمن عظمه اللّه تعالى وقرئ عسوا أن يكونوا وعسين أن يكن فعسى حينئذ هى ذات الخبر كما فى قوله تعالى فهل عسيتم وأما على الأول فهى التى لا خبر لها ولا تلمزوا أنفسكم أى ولا يعب بعضكم بعضا فإن المؤمنين كنفس واحدة أو لا تفعلوا ما تلمزون به فإن من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه واللمز الطعن باللسان وقرئ بضم الميم ولا تنابزوا بالألقاب أى ولا يدع بعضكم بعضا بلقب السوء فإن النبز مخنص به عرفا بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان أى بئس الذكر المرتفع للمؤمنين أن يذكروا بالفسق بعد دخولهم الإيمان أو اشتهارهم به فإن الاسم ههنا بمعنى الذكر من قولهم طار اسمه فى الناس بالكرم أو باللؤم والمراد به أما تهجين نسبة الكفر والفسوق إلى المؤمنين خصوصا إذ روى أن الآية نزلت فى صفية بنت حيي أتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقالت إن النساء يقلن لى يا يهودية بنت يهوديين فقال عليه الصلاة و السلام هلا قلت إن أبى هرون وعمى موسى وزوجى محمد عليهم السلام أو الدلالة على أن التنابز فسق والجمع بينه وبين الإيمان قبيح ومن لم يتب عما نهى عنه فأولئك هم الظالمون بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب ١٢يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أى كونوا على جانب منه وإبهام الكثير لإيجاب الاحتياط والتأمل فى كل ظن ظن حتى يعلم أنه من أى قبيل فإن من الظن ما يجب اتباعه كالظن فيما لا قاطع فيه من العمليات وحسن الظن باللّه تعالى ومنه ما يحرم كالظن فى الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين ومنه ما يباح كالظن فى الأمور المعاشية إن بعض الظن إثم تعليل للأمر بالاجتناب أو لموجبه بطريق الاستئناف التحقيقى والإثم الذنب الذى يستحق العقوبة عليه وهمزته منقلبة من الواو كأنه يثم الأعمال أى يكسرها ولا تجسسوا أى ولا تبحثوا عن عورات المسلمين تفعل من الجس لما فيه من معنى الطلب كما أن التلمس بمعنى التطلب لما فى اللمس من الطلب وقد جاء بمعنى الطلب فى قوله تعالى وأنا لمسنا السماء وقرئ بالحاء من الحس الذى هو إثر الجس وغايته ولتقاربهما يقال للمشاعر الحواس بالحاء والجيم وفى الحديث لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع اللّه عورته حتى يفضحه ولو فى جوف بيته ولا يغتب بعضكم بعضا أى لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء فى غيبته وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن الغيبة فقال أن تذكر أخاك بما يكره فإن كان فيه فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما الغيبة إدام كلاب الناس أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا تمثيل وتصوير لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على افحش وجه وأشنعه طبعا وعقلا وشرعا مع مبالغات من فنون شتى الاستفهام التقريرى وإسناد الفعل إلى أحد إيذانا بأن أحدا من الأحدين لا يفعل ذلك وتعليق المحبة بما هو فى غاية الكراهة وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول أخا للآكل وميتا وإخراج تماثلها مخرج أمر بين غنى عن الإخبار به وقرئ ميتا بالتشديد وانتصابه على الحالية من اللحم وقيل من الأخ والفاء فى قوله تعالى فكرهتموه لترتيب ما بعدها على ما قبلها من التمثيل كأنه قيل وحيث كان الأمر كما ذكر فقد كرهتموه وقرى كرهتموه أى جبلتم على كراهته واتقوا اللّه بترك ما امرتم باجتنابه والندم على ما صدر عنكم من قبل إن اللّه تواب رحيم مبالغ فى قبول التوبة وإفاضة الرحمة حيث يجعل التائب كمن لم يذنب ولا يخص ذلك بتائب دون تائب بل يعم الجميع وإن كثرت ذنوبهم روى أن رجلين من الصحابة رضى اللّه عنهم بعثا سلمان إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يبغى لهما إداما وكان أسامة على طعامه عليه الصلاة و السلام فقال ما عندى شئ فأخبرهما سلمان فقالا لو بعثنا سليمان إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما راحا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لهما ما لى أرى خضرة اللحم فى أفواهكما فقالا ما تناولنا لحما فقال عليه الصلاة و السلام إنكما قد اغتبتما فنزلت ١٣يا أيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى من آدم وحواء أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء فى ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب وقد جوز أن يكون تأكيدا للنهى السابق بتقرير الأخوة المانعة من الاغتياب وجعلناكم شعوبا وقبائل الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو بجمع القبائل والقبيلة تجمع العمائر والعمارة تجمع البطون والبطن بجمع الأفخاذ والفخذ يجمع الفصائل فخزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصى بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة وقيل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب لتعارفوا ليعرف بعضكم بعضا بحسب الأنساب فلا يعتزى أحد إلى غير آبائه لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل وتدعوا التفاوت والتفاضل فى الأنساب وقرئ لتتعارفوا على الأصل ولتعارفوا بالإدغام ولتعرفوا إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم تعليل للنهى عن التفاخر بالانساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف التحقيقى كأنه قيل إن الأكرم عنده تعالى هو الاتقى فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى وقرئ بان المفتوحة على حذف لام التعليل كأنه قيل لم لا تتفاخروا بالأنساب فقيل لأن أكرمكم عند اللّه أتقاكم لا أنسبكم فإن مدار كمال النفوس وتفاوت الأشخاص هو التقوى فمن رام نيل الدرجات العلا فعليه بالتقوى قال عليه الصلاة و السلام من سره أن يكون اكرم الناس فليتق اللّه وقال عليه الصلاةو السلام يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقى كريم على اللّه تعالى وفاجر شقى هين على اللّه تعالى وعن ابن عباس رضى الللّه عنهما كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى إن اللّه عليم بكم وبأعمالكم خبير ببواطن أحوالكم ١٤قالت الأعراب آمنا نزلت فى نفر من بنى أسد قدموا المدينة فى سنة جدب فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون عليه الصلاة و السلام ما فعلوا قل ردا لهم لم تؤمنوا إذ الإيمان هو التصديق المقارن للثقة وطمأنينة القلب ولم يحصل لكم ذلك وإلا لما مننتم على ما ذكرتم كما ينبئ عنه آخر السورة ولكن قولوا أسلمنا فإن الإسلام انقياد ودخول فى السلم وإظهار الشهادة وترك المحاربة مشعر به وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا أو لم تؤمنوا ولكن أسلمتم للاحتراز من النهى عن التلفظ بالإيمان وللتفادى عن إخراج قولهم مخرج التسليم والاعتداد به مع كونه تقولا محضا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم حال من ضمير قولوا أى ولكن قولوا أسلمنا حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما فى لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد وإن تطيعوا اللّه ورسوله بالإخلاص وترك النفاق لا يلتكم من أعمالكم لا ينقصكم شيئا من أجورها من لات يليت ليتا إذا نقص وقرىء لا يألتكم من الألت وهى لغة غطفان أو شيئا من النقص إن اللّه غفور لما فرط من المطيعين رحيم بالتفضل عليهم ١٥إنما المؤمنون الذين آمنوا باللّه ورسوله ثم لم يرتابوا لم يشكوا من ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة وفيه إشارة الى أن فيهم ما يوجب نفى الإيمان عنهم وثم للإشعار بأن اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس في حال إنشائه فقط بل وفيما يستقبل فهى كما في قوله تعالى ثم استقاموا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه في طاعته على تكثر فنونها من العبادات البدنية المحضة والمالية الصرفة والمشتملة عليها معا كالحج والجهاد أولئك الموصوفون بما ذكر من الأوصاف الحميلة هم الصادقون أى الذين صدقوا في دعوى الإيمان لا غيرهم روى أنه لما نزلت الآية جاؤا وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون فنزل لتكذيبهم قوله تعالى ١٦قل أتعلمون اللّه بدينكم أى أتخبرونه بذلك بقولكم آمنا والتعبير عنه بالتعليم لغاية تشنيعهم واللّه يعلم ما في السموات وما في الأرض حال من مفعول تعلمون مؤكدة لتشنيعهم وقوله تعالى واللّه بكل شيء عليم تذييل مقرر لما قبله اى مبالغ في العلم بجميع الأشياء التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند أظهارهم الإيمان وفيه مزيد تجهيل وتوبيخ لهم ١٧يمنون عليك أن أسلموا أى يعدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثوابا ممن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته وقيل النعمة الثقيلة من المن قل لا تمنوا على إسلامكم اى لا تعدوا إسلامكم منة على أو لا تمنوا على بإسلامكم فنصب بنزع الخافض بل اللّه يمن عليكم ان هداكم للإيمان على ما زعمتم مع أن الهداية لا تستلزم الإهتداء وقريء أن هداكم وإذ هداكم أن كنتم صادقين في ادعاء الإيمان وجوابه محذوف يدل عليه ما قبله اأى فللّه المنة عليكم وفي سياق النظم الكريم من اللطف مالا يخفي فإنهم لما سموا ما صدر عنهم إيمانا ومنوا به فنفى كونه إيمانا وسمى إسلاما قيل يمنون عليك بما هو في الحقيقة إسلام وليس بجدير بالمن بل لوصح ادعاؤهم للإيمان فللّه المنة عليهم بالهداية إليه لا لهم ١٨إن اللّه يعلم غيب السموات والأرض أى ما غاب فيهما واللّه بصير بما تعلمون في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه سورة ق الآية ما في ضمائركم وقرىء بالياء عن النبي صلى اللّه عليه و سلم من قرا سورة الحجرات أعطى من الأجر بعدد من أطاع اللّه وعصاه |
﴿ ١٠ ﴾