٤

قد كانت لكم أسوة حسنة أى خصلة حميدة حقيقه بأن يؤتسى ويقتدى بها وقوله تعالى

في إبراهيم والذين معه أى من أصحابه المؤمنين صفة ثانية لأسوة أو خبر لكان ولكم للبيان أو حال من المستكن في حسنة أو صلة لها لا لأسوة عند من لا يجوز العمل بعد الوصف

إذ قالوا

ظرف لخبر كان

لقومهم إنا برآء منكم جمع برئ كظريف وظرفاء وقرئ براء كظراف وبراء كرخال وبراء على الوصف بالمصدر مبالغة

ومما تعبدون من دون اللّه من الأصنام

كفرنا بكم أى بدينكم أو بمعبودكم أو بكم وبه فلا نعتد بشأنكم وبآلهتكم

وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا أى هذا دأبنا معكم لا نتركه

حتى تؤمنوا باللّه وحده وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك فتنقلب العداوة حينئذ ولاية والبغضاء محبة

إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك استثناء من قوله تعالى أسوة حسنة فإن استغفاره عليه الصلاة و السلام لأبيه الكافر وإن كان جائزا عقلا وشرعا لوقوعه قبل تبين أنه من أصحاب الجحيم كما نطق به النص لكنه ليس مما ينبغى أن يؤتسى به أصلا إذ المراد به ما يجب الائتساء به حتما لورود الوعيد على الإعراض عنه بما سيأتى من قوله تعالى ومن يتول فإن اللّه هو الغنى الحميد فاستثناؤه من الأسوة إنما يفيد عدم وجوب استدعاء الإيمان والمغفرة للكافر المرجو إيمانه وذلك مما لا يرتاب فيه عاقل

وأما عدم وأما عدم جوازه فلا دلالة للاستثناء عليه قطعا هذا

وأما تعليل عدم كون استغفاره عليه الصلاة و السلام لأبيه الكافر مما ينبغى أن يؤتسى به بأنه كان قبل النهى أو لموعدة وعدها إياه فبمعزل من السداد بالكلية لابتنائه على تناول النهى لاستغفاره عليه الصلاة و السلام له وإنبائه عن كونه مؤتسى به لو لم ينه عنه وكلاهما بين البلان لما أن مورد النهى هو الاستغفار للكافر بعد تبين أمره وقد عرفت أن استغفاره عليه الصلاة و السلام لأبيه كان قبل ذلك قطعا وأن ما يؤتسى به ما يجب الائتساء به لا ما يجوز فعله فى الجملة وتجويز أن يكون استغفاره عليه الصلاة و السلام له بعد النهى كما هو المفهوم من ظاهر قوله أو لموعدة وعدها إياه مما لا مساغ له وتوجيه الاستثناء إلى العدة بالاستغفار لا إلى نفس الاستغفار بقوله اغفر لأبى الآية لأنها كانت هى الحاملة له عليه الصلاة و السلام على الاستغفار وتخصيص هذه العدة بالذكر دون ما وقع فى سورة مريم من قوله تعالى سأستغفر لك ربى لورودها على طريق التوكيد القسمى

وأما جعل الاستغفار دائرا عليها وترتيب التبرؤ على تبين الأمر فقد مر تحقيقه فى سورة التوبة وقوله تعالى

وما أملك لك من اللّه من شئ من تمام القول المستثنى محله النصب على أنه حال من فاعل لأستغفرن لك أى أستغفر لك وليس فى طاقتى إلا الاستغفار فمورد الاستثناء نفس الاستغفار لا قيده الذى هو فى نفسه من خصال الخير لكونه إظهارا للعجز وتفويضا للأمر إلى اللّه تعالى وقوله تعالى

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير الخ من تمام ما نقل عن إبراهيم عليه السلام ومن معه من الأسوة الحسنة وتقديم الجار والمجرور لقصر التوكل والإنابة والمصير على اللّه تعالى قالوه بعد المجاهرة وقشر العصا التجاء إلى اللّه تعالى فى جميع أمورهم لا سيما فى مدافعة الكفرة وكفاية شرورهم كما ينطق به قوله

﴿ ٤