٧

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: {المحكمات} ناسخه، وحلاله، وحرامه، وحدوده، وفرائضه، وما يؤمن به و {المتشابهات} منسوخه، ومقدمه، ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به.

وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال {المحكمات} الناسخ الذي يدان به ويعمل به. و {المتشابهات} المنسوخات التي لا يدان بهن.

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبد اللّه بن قيس: سمعت ابن عباس يقول في قوله {منه آيات محكمات} قال: الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات (قل تعالوا..) (الأنعام الآيات ١٥١ - ١٥٣) والآيتان بعدها.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله {آيات محكمات} قال: من ههنا (قل تعالوا...) (الأنعام الآيات ١٥١ - ١٥٣) إلى آخر ثلاث آيات. ومن ههنا (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه...) (الإسراء الآيات ٢٣ - ٢٥) إلى ثلاث آيات بعدها.

وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود وناس من الصحابة {المحكمات} الناسخات التي يعمل بهن {والمتشابهات} المنسوخات.

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال {المحكمات} الحلال والحرام.

وأخرج عبد بن حميد والفرياني عن مجاهد قال {المحكمات} ما فيه الحلال والحرام، وما سوى ذلك منه متشابه يصدق بعضه بعضا. مثل قوله (وما يضل به إلا الفاسقين) (البقرة الآية ٢٦) ومثل قوله (كذلك يجعل اللّه الرجس على الذين لا يؤمنون) (الأنعام الآية ١٢٥) ومثل قوله (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (محمد الآية ١٧). وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال {المحكمات} هي الآمرة الزاجرة.

وأخرج عبد بن حميد وابن الضريس وابن جرير وابن أبي حاتم عن إسحق بن سويد. أن يحيى بن يعمر، وأبا فاختة. تراجعا هذه الآية {هن أم الكتاب} فقال أبو فاختة: هن فواتح السور، منها يستخرج القرآن (الم ذلك الكتاب) منها استخرجت البقرة، و (الم، اللّه لا إله إلا هو الحي القيوم) منها استخرجت آل عمران، قال يحيى: هن اللاتي فيهن الفرائض، والأمر والنهي، والحلال والحدود، وعماد الدين.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {هن أم الكتاب} قال: أصل الكتاب، لأنهن مكتوبات في جميع الكتب.

وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير قال {المحكمات} حجة الرب، وعصمة العباد، ودفع الخصوم والباطل، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه {وأخر متشابهات} في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى اللّه فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام لا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرفن عن الحق.

و أخرج ابن جرير عن مالك بن دينار قال: سألت الحسن عن قوله {أم الكتاب} قال: الحلال والحرام قلت له ف (الحمد للّه رب العالمين) (الفاتحة الآية ١) قال: هذه أم القرآن.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: إنما قال {هن أم الكتاب} لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن {و أخر متشابهات} يعني فيما بلغنا {الم} و (المص) و (المر) و (الر).

وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال {المتشابهات} آيات في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرأوهن. ومن أجل ذلك يضل من ضل، فكل فرقة يقرؤون آية من القرآن يزعمون أنها لهم، فمنها يتبع الحرورية من المتشابه قول اللّه (و من لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون) (المائدة الآية ٤٤) ثم يقرؤون معها (والذين كفروا بربهم يعدلون) (الأنعام الآية ١) فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر فمن عدل بربه، ومن عدل بربه فقد أشرك بربه. فهؤلاء الأئمة مشركون.

وأخرج البخاري في التاريخ وابن جرير من طريق ابن إسحق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد اللّه بن رباب قال "مر أبو ياسر بن أخطب، فجاء رجل من يهود لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وهو يتلو فاتحة سورة البقرة (الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه).

فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال أتعلمون؟ واللّه لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه (الم، ذلك الكتاب) فقال: أنت سمعته قال: نعم. فمشى حتى وافى أولئك النفر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقالوا: الم تقل أنك تتلو فيما أنزل عليك (الم، ذلك الكتاب)؟ فقال: بلى، فقالوا: لقد بعث بذلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه، وما أجل أمته غيرك. الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة.ثم قال: يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال: نعم. (المص) قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه احدى وثلاثون ومائة. هل مع هذا غيره؟ قال: نعم. (الر) قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان. هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة. هل مع هذا غيره؟ قال: نعم. (المر) قال: هذه أثقل وأطول. هذه احدى وسبعون ومائتان. ثم قال: لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا.

ثم قال: قوموا عنه. ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه: ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد. إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين. فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} ".

وأخرج يونس بن بكير في المغازي عن ابن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وجابر بن رباب. أن أبا ياسر بن أخطب مر بالنبي صلى اللّه عليه وسلم. وهو يقرأ (فاتحة الكتاب، والم، ذلك الكتاب) فذكر القصة. وأخرجه ابن المنذر في تفسيره من وجه آخر عن ابن جريج معضلا.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {فأما الذين في قلوبهم زيغ} يعني أهل الشك. فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون فلبس اللّه عليهم {وما يعلم تأويله إلا اللّه} قال: تأويله يوم القيامة لا يعمله إلا اللّه.

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود {زيغ} قال: شك.

وأخرج عن ابن جريج قال {الذين في قلوبهم زيغ} المنافقون.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله {فيتبعون ما تشابه منه} قال: الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه {ابتغاء تأويله} وفي قوله {ابتغاء الفتنة} قال: الشبهات.

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدرامي وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي في الدلائل من طرق عن عائشة قالت "تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ} إلى قوله {أولو الألباب} فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى اللّه فاحذروهم. ولفظ البخاري: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللّه فاحذروهم. وفي لفظ لابن جرير: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه سمى اللّه فاحذروهم. وفي لفظ لابن جرير: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى اللّه فلا تجالسوهم".

وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. في قوله {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} قال: هم الخوارج. وفي قوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (آل عمران الآية ١٠٦) قال: هم الخوارج.

وأخرج الطبراني عن أبي مالك الشعري. أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. يقول: "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال. أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله {وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}، وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالوا به ".

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال " قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: مما أتخوف على أمتي. أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيه فيقتتلوا عليه، وإن مما أتخوف على أمتي أن يفتح لهم القرآن حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق فيحل حلاله المؤمن.

أما قوله تعالى: {ابتغاء تأويله} الآية.

أخرج أبو يعلى عن حذيفة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: "إن في أمتي قوما يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل، يتأولونه على غير تأويله".

وأخرج ابن سعد وابن الضريس في فضائله وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. خرج على قوم يتراجعون في القرآن وهو مغضب فقال: بهذا ضلت الأمم قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضرب الكتاب بعضه ببعض، قال: وإن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا، ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به ".

وأخرج أحمد من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قوما يتدارأون فقال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب اللّه يصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه ".

وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وأبو نصر السجزي في الإبانة عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال " كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف. زاجر وآمر، وحلال وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا بما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا {آمنا به كل من عند ربنا} وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود. موقوفا ".

و أخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال لعبد اللّه بن مسعود " إن الكتب كانت تنزل من السماء، من باب واحد، وإن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، حلال وحرام، ومحكم ومتشابه، وضرب أمثال، وآمر وزاجر، فأحل حلاله، وحرم حرامه، واعمل بمحكمه، وقف عند متشابهه، واعتبر أمثاله. فإن كلا من عند اللّه {و ما يذكر إلا أولو الألباب} ".

وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد بسند واه عن علي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال في خطبته: " أيها الناس قد بين اللّه لكم في محكم كتابه ما أحل لكم وما حرم عليكم. فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وآمنوا بمتشابهه، واعملوا بمحكمه، واعتبروا بأمثاله ".

وأخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال: أنزل القرآن على خمسة أوجه: حرام، وحلال، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فأحل الحلال، وحرم الحرام، وآمن بالمتشابه، واعمل بالمحكم، واعتبر بالأمثال.

و أخرج ابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود قال: إن القرآن أنزل على نبيكم صلى اللّه عليه وسلم. من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وإن الكتاب قبلكم كان ينزل من باب واحد على حرف واحد.

وأخرج ابن جرير ونصر المقدسي في الحجة عن أبي هريرة " أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال: نزل القرآن على سبعة أحرف. المراء في القرآن كفر. ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ".

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم." أعربوا القرآن واتبعوا غرائبه، وغرائبه فرائضه وحدوده. فإن القرآن نزل على خمسة أوجه. حلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، واتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال ".

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن القرآن ذو شجون، وفنون، وظهور، وبطون. لا تنقضي عجائبه، ولا تبلغ غايته. فمن أوغل فيه برفق نجا، ومن أوغل فيه بعنف غوى. أخبار وأمثال وحرام وحلال، وناسخ ومنسوخ، ومحكم ومتشابه، وظهر وبطن. فظهره التلاوة، وبطنه التأويل. فجالسوا به العلماء، وجانبوا به السفهاء، وإياكم وزلة العالم.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع أن النصارى قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.: ألست تزعم أن عيسى كلمة اللّه، وروح منه؟ قال: بلى. قالوا: فحسبنا... فأنزل اللّه {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة}.

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في كتاب الأضداد والحاكم وصححه عن طاووس قال: كان ابن عباس يقرؤها "و ما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم آمنا به".

وأخرج أبو داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد اللّه "وإن حقيقة تأويله عند اللّه والرسخون في العلم يقولون آمنا به".

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبي مليكة قال: قرأت على عائشة هؤلاء الآيات فقالت: كان رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه {و ما يعلم تأويله إلا اللّه} ولم يعلموا تأويله.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قالا: إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة {و ما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا} فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا.

وأخرج ابن جرير عن عروة قال {الراسخون في العلم} لا يعلمون تأويله، ولكنهم يقولون {آمنا به كل من عند ربنا}.

و أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر بن عبد العزيز قال: انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا {آمنا به كل من عند ربنا}.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال: كتاب اللّه ما استبان منه فاعمل به، وما اشتبه عليك فآمن به وكله إلى عالمه.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن للقرآن منارا كمنار الطريق، فما عرفتم فتمسكوا به، وما اشتبه عليكم فذروه.

وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ قال: القرآن منار كمنار الطريق ولا يخفى على أحد، فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه أحدا، وما شككتم فيه فكلوه إلى عالمه.

وأخرج ابن جرير من طريق أشهب عن مالك في قوله {وما يعلم تأويله إلا اللّه} قال: ثم ابتدأ فقال {والراسخون في العلم يقولون آمنا به} وليس يعلمون تأويله.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. سئل عن {الراسخين في العلم} فقال: من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه. فذلك من الراسخين في العلم ".

وأخرج ابن عساكر من طريق عبد اللّه بن يزيد الأودي. سمعت أنس بن مالك يقول سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. من {الراسخون في العلم}؟ قال: " من صدق حديثه، وبر في يمينه، وعف بطنه وفرجه. فذلك {الراسخون في العلم} ".

وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام، وتفسير تعرفه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلم تأويله إلا اللّه. من ادعى علمه فهو كاذب.ن

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف: حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به، وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا اللّه. ومن ادعى علمه سوى اللّه فهو كاذب ".

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: أنا ممن يعلم تأويله.

وأخرج ابن جرير عن الربيع "والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به ".

وأخرج ابن جرير وابن أي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {يقولون آمنا به} نؤمن بالمحكم وندين به، ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به. وهو من عند اللّه كله.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {كل من عند ربنا} يعني ما نسخ منه وما لم ينسخ.

وأخرج الدرامي في مسنده ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار. أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل اليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت؟ فقال: أنا عبد اللّه صبيغ فقال: وانا عبد اللّه عمر. فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين، فضربه حتى دمى رأسه فقال: يا أمير المؤمنين حسبك... قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.

وأخرج الدرامي عن نافع. أن صبيغا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمر بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه أرسل عمر إلى رطائب من جريد، فضربه بها حتى ترك ظهره دبره، ثم تركه حتى برئ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برئ، فدعا به ليعود له فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا، وإن كنت تريد أن تداويني فقد - و اللّه - برأت. فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين.

وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس. أن عمر بن الخطاب جلد صبيغا الكوفي في مسألة عن حرف من القرآن حتى اطردت الدماء في ظهره.

وأخرج ابن الأنباري في المصاحف ونصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن السائب بن يزيد. أن رجلا قال لعمر: إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن. فقال عمر: اللّهم أمكني منه. فدخل الرجل يوما على عمر فسأله، فقام عمر، فحسر عن ذراعيه، وجعل يجلده ثم قال: ألبسوه تبانا واحملوه على قتب، وابلغوا به حيه، ثم ليقم خطيب فليقل إن صبيغا طلب العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم.

وأخرج نصر المقدسي في الحجة وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي. أن عمر كتب إلى أهل البصرة، أن لا يجالسوا صبيغا، قال: فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا.

وأخرج ابن عساكر عن محمد بن سيرين قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالس صبيغا، وأن يحرم عطاءه ورزقه.

وأخرج نصر في الحجة وابن عساكر عن زرعة قال: رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب، يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه، فتناديهم الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين عمر، فيقومون ويدعونه.

وأخرج نصر في الحجة عن أبي إسحق. أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري. أما بعد... فإن الأصبغ تكلف ما يخفى وضيع ما ولي، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه، وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشهدوه.

وأخرج الهروي في ذم الكلام عن الإمام الشافعي رضي اللّه عنه قال: حكمي في أهل الكلام حكم عمر في صبيغ، أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام.

وأخرج الدرامي عن عمر بن الخطاب قال: إنه سيأتيكم ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اللّه.

وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو " أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. خرج على أصحابه وهم يتنازعون في القرآن. هذا ينزع بآية، وهذا ينزع بآية. فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان فقال: " ألهذا خلقتم، أو لهذا أمرتم أن تضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض، انظروا ما أمرتم به فاتبعوه، وما نهيتم عنه فانتهوا ".

وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " الجدال في القرآن كفر ".

وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمرو رضي اللّه عنهما قال " خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ومن وراء حجرته قوم يتجادلون في القرآن. فخرج محمرة وجنتاه كأنما تقطران دما فقال: يا قوم لا تجادلوا بالقرآن، فإنما ضل من كان قبلكم بجدالهم، إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ولكن نزل ليصدق بعضه بعضا، فما كان من محكمه فاعملوا به، وما كان من متشابهه فآمنوا به ".

وأخرج نصر في الحجة عن أبي هريرة قال: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل يسأله عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فقام عمر فأخذ بمجامع ثوبه حتى قاده إلى علي بن أبي طالب فقال: يا أبا الحسن أما تسمع ما يقول هذا؟ قال: وما يقول؟ قال: جاءني يسألني عن القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق. فقال علي: هذه كلمة وسيكون لها ثمرة، لو وليت من الأمر ما وليت ضربت عنقه.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {فأما الذين في قلوبهم زيغ....} الآية. قال: طلب القوم التأويل فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة، واتبعوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك.

وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن مجاهد قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله، ويقولون آمنا به.

﴿ ٧