|
١٥٨ أخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أراد اللّه أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت إثنا عشر رجلا من الحواريين، فخرج عليهم من غير البيت ورأسه يقطر ماء، فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشر مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي، فقام شاب من أحدثهم سنا، فقال له: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب، فقال: اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب، فقال: أنا. فقال: أنت ذاك، فألقى عليه شبه عيسى، ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء. قال: وجاء الطلب من اليهود، فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه، وكفر به بعضهم اثني عشر مرة بعد أن آمن به، وافترقوا ثلاث فرق، وقالت طائفة: كان اللّه فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء، فهؤلاء اليعقوبية. وقالت فرقة: كان فينا ابن اللّه ما شاء ثم رفعه اللّه إليه، وهؤلاء النسطورية، وقالت فرقة: كان فينا عبد اللّه ورسوله، وهؤلاء المسلمون. فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه {فآمنت طائفة من بني إسرائيل} يعني الطائفة التي آمنت في زمن عيسى، وكفرت الطائفة التي كفرت في زمن عيسى {فأيدنا الذين آمنوا} في زمن عيسى بإظهار محمد دينهم على دين الكافرين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {وقولهم إنا قتلنا المسيح...} الآية. قال: أولئك أعداء اللّه اليهود، افتخروا بقتل عيسى، وزعموا أنهم قتلوه وصلبوه، وذكر لنا أنه قال لأصحابه: أيكم يقذف عليه شبهي فإنه مقتول؟ قال رجل من أصحابه: أنا يا نبي اللّه، فقتل ذلك الرجل، ومنع اللّه نبيه ورفعه إليه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله {شبه لهم} قال: صلبوا رجلا غير عيسى شبه بعيسى يحسبونه إياه، ورفع اللّه إليه عيسى حيا. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وما قتلوه يقينا} قال: يعني لم يقتلوا ظنهم يقينا. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: ما قتلوا ظنهم يقينا. وأخرج ابن جرير مثله، عن جويبر والسدي. وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وابن عساكر من طريق ثابت البناني عن أبي رافع قال: رفع عيسى بن مريم وعليه مدرعة، وخفا راع، وحذافة يخذف بها الطير. وأخرج أحمد في الزهد وأبو نعيم وابن عساكر من طريق ثابت البناني عن أبي العالية قال: ما ترك عيسى بن مريم حين رفع إلا مدرعة صوف، وخفي راع، وقذافة يقذف بها الطير. وأخرج ابن عساكر عن عبد الجبار بن عبد اللّه بن سليمان قال: أقبل عيسى ابن مريم على أصحابه ليلة رفع فقال لهم: لا تأكلوا بكتاب اللّه أجرا فإنكم إن لم تفعلوا أقعدكم اللّه على منابر الحجر منها خير من الدينا وما فيها. قال عبد الجبار: وهي المقاعد التي ذكر اللّه في القرآن (في مقعد صدق عند مليك مقتد) (القمر الآية ٥٥) ورفع عليه السلام. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن وهب بن منبه قال: إن عيسى لما أعلمه اللّه أنه خارج من الدينا جزع من الموت وشق عليه، فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما، فقال: احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة، فلما اجتمعوا إليه من الليلة عشاهم وقام يحدثهم، فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضيهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارموه فقال: ألا من رد علي شيئا الليلة مما أصنع فليس مني ولا أنا منه، فأقروه حتى فرغ من ذلك قال: أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم فلا يتعظم بعضكم على بعض، وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكم، وأما حاجتي التي استعنتكم عليها، فتدعون لي اللّه وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي، فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء، فجعل يوقظهم ويقول: سبحان اللّه..! ما تصبرون لي ليلة واحدة تعينونني فيها؟ قالوا: واللّه ما ندري ما كنا لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا، وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه، فقال: يذهب بالراعي وتتفرق الغنم، وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعي به نفسه، ثم قال: الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات، وليبيعنني أحدكم بدراهم يسيرة، وليأكلن ثمني، فخرجوا وتفرقوا وكانت اليهود تطلبه، فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا: هذا من أصحابه. فجحد وقال: ما أنا بصاحبه فتركوه. ثم أخذه آخرون كذلك، ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهما، فأخذها ودلهم عليه وكان شبه عليهم قبل ذلك، فأخذوه واستوثقوا منه وربطوه بالحبل، فجعلوا يقودنه ويقولون: أنت كنت تحيي الميت، وتبرئ المجنون، أفلا تخلص نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه، ويلقون عليه الشوك، حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه اللّه إليه وصلبوا ما شبه لهم، فمكث سبعا. ثم إن أمه والمرأة التي كان يدوايها عيسى فأبرأها اللّه من الجنون جاءتا تبكيان حيث المصلوب، فجاءهما عيسى فقال: علام تبكيان؟! قالتا عليك. قال: إني قد رفعني اللّه إليه ولم يصبني إلا خير، وإن هذا شيء شبه لهم، فأمروا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا، فألقوه إلى ذلك المكان أحد عشر، وقعد الذي كان باعه ودل عليه اليهود، فسأل عنه أصحابه فقالوا: إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل قال: لو تاب تاب اللّه عليه، ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له يحنا؟ فقال: هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدث بلغة فليتدبرهم وليدعهم. وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال: إن عيسى عليه السلام كان سياحا فمر على امرأة تستقي، فقال: اسقيني من مائك الذي من شرب منه مات وأسقيك من مائي الذي من شرب منه حيي؟ قال: وصادف امرأة حكيمة فقالت له: أما تكتفي بمائك الذي من شرب منه حيي عن مائي الذي من شرب منه مات؟ قال: إن ماءك عاجل ومائي آجل. قالت: لعلك هذا الرجل الذي يقال له عيسى بن مريم؟ قال: فإني أنا هو، وأنا أدعوك إلى عبادة اللّه وترك ما تعبدين من دون اللّه عز وجل. قالت: فأتني على ما تقول ببرهان؟ قال: برهان ذلك أن ترجعي إلى زوجك فيطلقك. قالت: إن في هذا لآية بينة، ما في بني إسرائيل امرأة أكرم على زوجها مني، ولئن كان كما تقول إني لأعرف أنك صادق. قال: فرجعت إلى زوجها وزوجها شاب غيور فقال: ما بطؤ بك؟ قالت: مر علي رجل فأرادت أن تخبره عن عيسى، فاحتملته الغيرة فطلقها، فقالت: لقد صدقني صاحبي. فخرجت تتبع عيسى وقد آمنت به، فأتى عيسى ومعه سبعة وعشرون من الحواريين في بيت وأحاطوا بهم، فدخلوا عليهم وقد صورهم اللّه على صورة عيسى، فقالوا: قد سحرتمونا؟ لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلكم جميعا، فقال عيسى لأصحابه: من يشتري منكم نفسه بالجنة؟ فقال رجل من القوم: أنا. فأخذوه فقتلوه وصلبوه، فمن ثم شبه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى وصلبوه فظنت النصارى مثل ذلك، ورفع اللّه عيسى من يومه ذلك. فبلغ المرأة أن عيسى قد قتل وصلب، فجاءت حتى بنت مسجدا إلى أصل شجرته، فجعلت تصلي وتبكي على عيسى، فسمعت صوتا من فوقها صوت عيسى لا تنكره: أي فلانة إنهم واللّه ما قتلوني وما صلبوني ولكن شبه لهم، وآية ذلك أن الحواريين يجتمعون الليلة في بيتك، فيفترقون اثنتي عشرة فرقة كل فرقة منهم تدعو قوما إلى دين اللّه، فلما أمسوا اجتمعوا في بيتها، فقالت لهم: إني سمعت الليلة شيئا أحدثكم به وعسى أن تكذبوني وهو الحق، سمعت صوت عيسى وهو يقول: يا فلانة إني واللّه ما قتلت ولا صلبت، وآية ذلك أنكم تجتمعون الليلة في بيتي، فتفترقون اثنتي عشرة فرقة، فقالوا: إن الذي سمعت كما سمعت، فإن عيسى لم يقتل ولم يصلب إنما قتل فلان وصلب، وما اجتمعنا في بيتك إلا لما قال، نريد أن نخرج دعاة في الأرض، فكان ممن توجه إلى الروم نسطور وصاحبان له، فأما صاحباه فخرجا، وأما نسطور فحسبته حاجة له فقال لهما: ارفقا ولا تخرقا ولا تستبطئاني في شيء، فلما قدما الكورة التي أرادا قدما في يوم عيدهم، وقد برز ملكهم وبرز وبرز معه أهل مملكته، فأتاه الرجلان فقاما بين يديه، فقالا له: اتق اللّه فإنكم تعملون بمعاصي اللّه وتنتهكون حرم اللّه مع ما شاء اللّه أن يقولا. قال: فأسف الملك وهم بقتلهما، فقام إليه نفر من أهل مملكته فقالوا: إن هذا يوم لا تهرق فيه دما، وقد ظفرت بصاحبيك فإن أحببت أن تحبسهما حتى يمضي عيدنا ثم ترى فيهما رأيك فعلت، فأمر بحبسهما ثم ضرب على أذنه بالنسيان لهما، حتى قدم نسطور فسأل عنهما فأخبر بشأنهما وأنهما محبوسان في السجن، فدخل عليهما فقال: ألم أقل لكما ارفقا ولا تخرقا ولا تستبطئاني في شيء، هل تدريان ما مثلكما؟ مثلكما مثل امرأة لم تصب ولدا حتى دخلت في السن فأصابت بعدما دخلت في السن ولدا، فأحبت أن تعجل شبابه لتنتفع به، فحملت على معدته ما لا تطيق فقتلته، ثم قال لهما: والآن فلا تستبطئاني في شيء، ثم خرج فانطلق حتى أتى باب الملك، وكان إذا جلس الناس وضع سريره وجلس الناس سمطا بين يديه، وكانوا إذا ابتلوا بحلال أو حرام رفعوا له، فنظر فيه ثم سأل عنه من يليه في مجلسه، وسأل الناس بعضهم بعضا حتى تنتهي المسألة إلى أقصى المجلس، وجاء نسطور حتى جلس في أقصى القوم، فلما ردوا على الملك جواب من أجابه، وردوا عليه جواب نسطور فسمع بشيء عليه نور وحلا في مسامعه فقال: من صاحب هذا القول؟ فقيل: الرجل الذي في أقصى القوم. فقال: علي به. فقال: أنت القائل كذا وكذا؟ قال: نعم. قال: فما تقول في كذا وكذا؟ قال: كذا وكذا. فجعل لا يسأله عن شيء إلا فسره له. فقال: عندك هذا العلم وأنت تجلس في آخر القوم؟ ضعوا له عند سريري مجلسا؟ ثم قال: إن أتاك ابني فلا تقم له عنه، ثم أقبل على نسطور وترك الناس، فلما عرف أن م نزلته قد تثبتت قال: لأزورنه. فقال: أيها الملك رجل بعيد الدار بعيد الضيعة، فإن أحببت أن تقضي حاجتك مني وتأذن لي فأنصرف إلى أهلي. فقال: يا نسطور ليس إلى ذلك سبيل، فإن أحببت أن تحمل أهلك إلينا فلك المواساة، وإن أحببت أن تأخذ من بيت المال حاجتك فتبعث به إلى أهلك فعلت، فسكت نسطور. ثم تحين يوما فمات لهم فيه ميت فقال: أيها الملك بلغني أن رجلين أتياك يعيبان دينك؟ قال: فذكرهما فأرسل إليهما، فقال: يا نسطور أنت حكم بيني وبينهما ما قلت من شيء رضيت. قال: نعم أيها الملك، هذا ميت قد مات في بني إسرائيل فمرهما حتى يدعوا ربهما فيحييه لهما ففي ذلك آية بينة، قال: فأتي بالميت فوضع عنده، فقاما وتوضآ ودعوا ربهما فرد عليه روحه وتكلم، فقال: أيها الملك إن في هذه لآية بينة، ولكن مرهما بغير ما أجمع أهل مملكتك، ثم قل لآلهتك، فإن كانت تقدر أن تضر هذين فليس أمرهما بشيء، وإن كان هذان يقدران أن يضرا آلهتك فأمرهما قوي، فجمع الملك أهل مملكته ودخل البيت الذي فيه الآلهة، فخر ساجدا هو ومن معه من أهل مملكته وخر نسطور ساجدا، وقال: اللّهم إني أسجد لك وأكيد هذه الآلهة أن تعبد من دونك، ثم رفع الملك رأسه فقال: إن هذين يريدان أن يبدلا دينكم ويدعوا إلى إله غيركم، فافقأوا أعينهما أو اجذموهما أو شلوهما، فلم ترد عليه الآلهة شيئا، وقد كان نسطور أمر صاحبيه أن يحملا معهما فأسا، فقال: أيها الملك قل لهذين أيقدران أن يضرا آلهتك؟ قال: أتقدران على أن تضرا آلهتنا؟ قالا: خل بيننا وبينها، فأقبلا عليها فكسراها، فقال نسطور: أما أنا فآمنت برب هذين، وقال الملك: وأنا آمنت برب هذين، وقال جميع الناس: آمنا برب هذين، فقال نسطور لصاحبيه: هكذا الرفق. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {وكان اللّه عزيزا حكيما} قال: معنى ذلك أنه كذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن يهوديا قال له: إنكم تزعمون أن اللّه كان عزيزا حكيما فكيف هو اليوم؟ قال ابن عباس: إنه كان من نفسه عزيزا حكيما. |
﴿ ١٥٨ ﴾