٩٣

أخرج ابن عساكر من طريق إسحق بن بشر قال: أخبرني عبيد اللّه بن زياد بن سمعان عن بعض من قرأ الكتب قال: إن أهل التوراة يزعمون أن شعيبا اسمه في التوراة ميكائيل، واسمه بالسريانية جزى بن بشخر، وبالعبرانية شعيب بن بشخر بن لاوي بن يعقوب عليه السلام.

وأخرج ابن عساكر من طريق إسحق بن بشر عن الشرقي بن القطامي وكان نسابة عالما بالأنساب قال: هو ثيروب بالعبرانية، وشعيب بالعربية ابن عيفا بن يوبب بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام. يوبب بوزن جعفر أوله مثناه تحيتة وبعد الواو موحدتان.

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس قال: كان شعيب نبيا رسولا من بعد يوسف، وكان من خبره وخبر قومه ما ذكر اللّه في القرآن {وإلى مدين أخاهم شعيبا. قال: يا قوم اعبدوا اللّه ما لكم من إله غيره} فكانوا مع ما كان فيهم من الشرك أهل بخس في مكايلهم وموازينهم مع كفرهم بربهم وتكذيبهم نبيهم، وكانوا قوما طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم حتى يشترونه، وكان أول من سن ذلك هم، وكانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه ويقولون دراهمك هذه زيوف فيقطعونها ثم يشترونها منه بالبخس يعني بالنقصان، فذلك قوله {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} وكانت بلادهم بلاد ميرة يمتار الناس منهم، فكانوا يقعدون على الطريق فيصدون الناس عن شعيب يقولون: لا تسمعوا منه فإنه كذاب يفتنكم، فذلك قوله {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} الناس إن اتبعتم شعيبا فتنكم، ثم إنهم تواعدوه فقالوا: يا شعيب لنخرجنك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا أي إلى دين آبائنا، فقال عند ذلك {ما أريد أن أخالفكم لي ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت} (هود الآية ٨٨) وهو الذي يعصمني {وإليه أنيب} يقول: إليه أرجع. ثم قال {أولو كنا كارهين} يقول: إلى الرجعة إلى دينكم إن رجعنا إلى دينكم {فقد افترينا على اللّه كذبا...وما يكون لنا} يقول: وما ينبغي لنا أن نعود فيها بعد إذ نجانا اللّه منها {إلا أن يشاء اللّه ربنا} فخاف العاقبة فرد المشيئة إلى اللّه تعالى فقال {إلا أن يشاء اللّه ربنا وسع ربنا كل شيء علما} ما ندري ما سبق لنا {عليه توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين} يعني الفاصلين قال: ابن عباس كان حليما صادقا وقورا، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا ذكر شعيبا يقول "ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه فيما دعاهم إليه، وفيما ردوا عليه وكذبوه وتواعدوه بالرجم والنفي من بلادهم وتواعد كبراؤهم ضعفاءهم قالوا {لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون} فلم ينته شعيب أن دعاهم، فلما عتوا على اللّه {أخذتهم الرجفة} وذلك أن جبريل نزل فوقف عليهم، فصاح صيحة رجفت منها الجبال والأرض فخرجت أرواحهم من أبدانهم، فذلك قوله {فأخذتهم الرجفة} وذلك أنهم حين سمعوا الصيحة قاموا قياما فزعوا لها، فرجفت بهم الأرض فرمتهم ميتين. "

وأخرج إسحق وابن عساكر عن عكرمة والسدي قالا: ما بعث اللّه نبيا مرتين إلا شعيبا. مرة إلى مدين فأخذهم اللّه بالصيحة، ومرة أخرى إلى أصحاب الأيكة فأخذهم اللّه بعذاب يوم الظلة.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} قال: لا تظلموا الناس.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} قال: لا تظلموهم {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: كانوا يوعدون من أتى شعيبا وغشيه وأراد الإسلام.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: كانوا يجلسون في الطريق فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا كذاب، فلا يفتننكم عن دينكم.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تقعدوا بكل صراط} قال: طريق {توعدون} قال: تخوفون الناس أن يأتوا شعيبا.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: بكل سبيل حق {وتصدون عن سبيل اللّه} قال: تصدون أهلها {وتبغونها عوجا} قال: تلتمسون لها الزيغ.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: العاشر {وتصدون عن سبيل اللّه} قال: تصدون عن الإسلام {وتبغونها عوجا} قال: هلاكا.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {وتبغونها} قال: تبغون السبيل عوجا قال: عن الحق.

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} قال: هم العشار.

وأخرج ابن جرير عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره شك أبو العالية قال: أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم ليلة أسرى على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته. قال "ما هذا يا جبريل؟ هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه، ثم تلا {ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} ".

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {وما يكون لنا أن نعود فيها} قال: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم {بعد إذ نجانا اللّه إلا أن يشاء اللّه ربنا} واللّه لا يشاء الشرك، ولكن يقول: إلا أن يكون اللّه قد علم شيئا فإنه قد وسع كل شيء علما.

وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن زيد بن أسلم: أنه قال في القدرية واللّه ما قالوا كما قال اللّه ولا كما قال النبيون ولا كما قال أصحاب الجنة ولا كما قال أصحاب النار ولا كما قال أخوهم إبليس. قال اللّه {وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّه} (الإنسان الآية ٣٠) وقال شعيب {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللّه} وقال أصحاب الجنة {الحمد للّه الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه} (الأعراف الآية ٤٣) وقال أصحاب النار {ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} (الزمر الآية ٧١) وقال إبليس {رب بما أغويتني} (الحجر الآية ٣٩).

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في الوقف والإبتداء والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: ما كنت أدري ما قوله {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول: تعال أفاتحك: يعني أقاضيك.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ربنا افتح} يقول: اقض.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: الفتح: القضاء. لغة يمانية إذا قال أحدهم: تعال أقاضيك القضاء قال: تعال أفاتحك.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {كأن لم يغنوا فيها} قال: كأن لم يعمروا فيها.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {كأن لم يغنوا فيها} قال: كأن لم يعيشوا فيها.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {كأن لم يغنوا فيها} يقول: كأن لم يعيشوا فيها.

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم} قال: ذكر لنا أن نبي اللّه شعيبا أسمع قومه، وأن نبي اللّه صالحا أسمع قومه كما أسمع - واللّه - نبيكم محمد قومه.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فكيف آسى} قال: أحزن.

وأخرج ابن عساكر عن مبلة بن عبد اللّه قال: بعث اللّه جبريل إلى أهل مدين شطر الليل ليأفكهم بمغانيهم، فألفى رجلا قائما يتلو كتاب اللّه، فهاله أن يهلكه فيمن يهلك، فرجع إلى المعراج فقال: اللّهم أنت سبوح قدوس بعثتني إلى مدين لأفك مدائنهم فأصبت رجلا قائما يتلوا كتاب اللّه، فأوحى اللّه: ما أعرفني به هو فلان بن فلان، فابدأ به فإنه لم يدفع عن محارمي إلا موادعا.

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس. أن شعيبا كان يقرأ من الكتب التي كان اللّه أنزلها على إبراهيم عليه السلام.

وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما، قبر إسمعيل وشعيب. فقبر إسمعيل في الحجر، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود.

وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه. أن شعيبا مات بمكة ومن معه من المؤمنين فقبورهم في غربي الكعبة، بين دار الندوة وبين باب بني سهم.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب عن مالك بن أنس قال: كان شعيب خطيب الأنبياء.

وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن ابن إسحق قال: ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا ذكر شعيبا قال: ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه، فيما يرادهم به، فلما كذبوه وتوعدوه بالرجم والنفي من بلاده وعتوا على اللّه، أخذهم عذاب يوم الظلة، فبلغني أن رجلا من أهل مدين يقال له عمرو بن حلها فما رآها قال:

يا قوم إن شعيبا مرسل فذروا * عنكم سميرا وعمران بن شداد

إني أرى عينة يا قوم قد طلعت * تدعو بصوت على صمانة الواد

وإنه لا يروي فيه ضحى غد * إلا الرحيم يحشى بين أنجاد

وسمير وعمران كاهناهم، والرقيم كلبهم .

﴿ ٩٣