|
١١ أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري وعبد بن الحميد ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه، فايتهن خرج سهمها خرج بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب وانا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل فدنونا من المدينة قافلين. آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل المرأة العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل فساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فيممت منزلي الذي كنت به فظنت أنهم سيفقدوني فيرجعون الي. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني من وراء الجيش فادلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي واللّه ما كلمني كلمة واحدة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها، فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد أن نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك في من هلك. وكان الذي تولى الافك عبد اللّه بن أبي ابن سلول. فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا، والناس يفيضون في قول أصحاب الافك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكى، إنما يدخل علي فيسلم ثم يقولك كيف تيكم؟ ثم ينصرف. فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهي متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط. فكنا نتاذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت انا وأم مسطح، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد أشرعنا من ثيابنا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت اتسبين رجلا شهد بدرا! قالت: أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال!؟ قلت: وما قال..؟ فاخبرتني بقول أهل الافك، فازددت مرضا على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: - وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما - قالت: فاذن لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فجئت لأبوي فقلت لأمي يا امتاه ما يتحدث الناس؟ قالت يا بنية هوني عليك فو اللّه لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا اكثرن عليها، فقلت - سبحان اللّه - ولقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا اكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي ودعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب، واسامة بن زيد، حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله. فأما أسامه فأشار على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال يا رسول اللّه: أهلك ولا نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال يا رسول اللّه: لم يضيق اللّه عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك. فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت شيئا يريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق ان رأيت عليها أمرا أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد اللّه بن أبي فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه في اهل بيتي؟ فواللّه ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقال سعد بن معاذ الانصاري فقال: يا رسول اللّه أنا أعذرك منه، ان كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من بني الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحميه فقال لسعد: كذبت لعمر اللّه ما تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لنقتلنه فانك منافق تجادل عن المنافقين. فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ان يقتتلوا، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت. فبكيت يومي ذلك فلا يرقا لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقا لي دمع، وأبواي يظنان ان البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي وأنا ابكي فاستأذنت على امرأة من الانصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل في ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحي إليه في شأني بشيء، فتشهد حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا.. فإن كنت بريئه فسيبرئك اللّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب اللّه عليه. فلما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب عني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: واللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم! فقلت لأمي: أجيبي عني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت: واللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم! فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: اني واللّه لقد علمت انكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم - وصدقتم به، فلئن قلت لكم اني بريئة - واللّه يعلم اني بريئة - لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر - واللّه يعلم أني منه بريئة - لتصدقني واللّه لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف {فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون} (يوسف: ١٨). ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن اللّه مبرئي ببراءتي، ولكن واللّه ما كنت أظن ان اللّه منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم اللّه في بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رؤيا يبرئني اللّه بها قالت: فو اللّه ما رام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه، فلما سري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سري عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: ابشري يا عائشة اما اللّه فقد برأك فقالت أمي: قومي إليه فقلت: واللّه لا أقوم اليه ولا أحمد إلا اللّه الذي أنزل براءتي. وأنزل اللّه {ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم} العشر الآيات كلها. فلما أنزل اللّه هذا في براءتي قال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح بن اثاثة لقرابته منه وفقره: واللّه لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال. فأنزل اللّه {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي والمساكين} (النور: ٢٢) إلى قوله {رحيم} قال أبو بكر: واللّه اني أحب أن يغفر اللّه لي فرجع الي مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: واللّه لا أنزعها منه أبدا قالت عائشة: فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال: يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول اللّه أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم، فعصمها اللّه بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الافك. وأخرج البخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به. قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في خطيبا، فتشهد فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أشيروا علي في أناس أنبوا أهلي - وأيم اللّه - ما علمت على أهلي من سوء، وأنبوهم بمن - واللّه - ما علمت عليه من سوء قط، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي، فقام سعد بن معاذ فقال: ائذن لي يا رسول اللّه ان تضرب أعناقهم، وقام رجل من بني الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل فقال: كذبت أما واللّه لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شرقي المسجد وما علمت. فلما كان مساء ذلك اليوم، خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، فعثرت فقالت: تعس مسطح فقلت: أي أم تسبين ابنك؟ فسكتت ثم عثرت الثالثة فقالت: تعس مسطح فقلت لها: أي أم تسبين إبنك؟ ثم عثرت الثالثه فقالت: تعس مسطح فانتهرتها فقالت: واللّه لم أسبه إلا فيك فقلت: في أي شأني؟! فقرأت لي الحديث. فقلت وقد كان هذا! قالت: نعم.واللّه... فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا، ووعكت فقلت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومان في السفل وأبا بكر فوق البيت يقرأ. فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية؟ فاخبرتها وذكرت لها الحديث، واذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني. فقالت: يا بنية خففي عليك الشأن، فإنه - واللّه - لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدتها وقيل: فيها. قلت: وقد علم به أبي؟ فقالت: نعم قلت:ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قالت: نعم. فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه فقال: أقسمت عليك أي بنية إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت. ولقد جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيتي فسأل عني خادمي فقالت: لا واللّه ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة، فتأكل خميرها أو عجينها، وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أسقطوا لهابه فقالت - سبحان اللّه - ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الاحمر، فبلغ إلى ذلك الرجل الذي قيل له فقال - سبحان اللّه - واللّه ما كشفت كنف أنثى قط قالت: فقتل شهيدا في سبيل اللّه قال: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقد صلى العصر، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وشمالي، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد يا عائشة أن كنت قارفت سوأ، أو ظلمت، فتوبي إلى اللّه، فإن اللّه يقبل التوبة عن عباده. قالت: وقد جاءت امرأة من الانصار فهي جالسة بالباب فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة ان تذكر شيئا، فوعظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فالتفت إلى أبي فقلت: أجبه قال: ماذا أقول؟ فالتفت ألى أمي فقلت: أجيبيه قالت: أقول ماذا؟ فلما يجيباه تشهدت، فحمدت اللّه وأثنيت عليه، ثم قلت: أما بعد - فو اللّه - لئن قلت لكم أني لم أفعل - واللّه يشهد اني لصادقة - ما ذاك بنافعي عندكم، وقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم.وإن قلت: اني فعلت - واللّه يعلم اني لم أفعل - لتقولن قد باءت به على نفسها واني - واللّه - لا أجد لي ولكم مثلا. والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال {فصبر جميل واللّه المستعان على ما تصفون} (يوسف: ١٨). وأنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ساعته فسكتنا، فرفع عنه. واني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول: ابشري يا عائشة فقد أنزل اللّه براءتك قالت: وقد كنت أشد مما كنت غضبا فقال لي أبواي: قومي اليه فقلت: واللّه لا أقوم اليه ولا أحمده، ولكن أحمد اللّه الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينب بنة جحش فعصمها اللّه بدينها، فلم تقل إلا خيرا، وأما أختها حمنة، فهلكت فيمن هلك، وكان الذي تكلم فيها مسطح، وحسان بن ثابت، والمنافق عبد اللّه بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي كان تولى كبره منهم، هو وحمنة قال: فحلف أبو بكر ان لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا، فأنزل اللّه {ولا يأتل أولو الفضل منكم} (النور: ٢٢). . إلى آخر الآية. يعني أبا بكر. {والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} يعني مسطحا. إلى قوله {إلا تحبون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفور رحيم} قال أبو بكر: بلى واللّه انا نحب ان يغفر اللّه لنا، وعاد له كما كان يصنع. وأخرج أحمد والبخاري وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه عن أم رومان قال: بينا أنا عند عائشة، إذ دخلت عليها امرأة فقالت: فعل اللّه بابنها وفعل فقالت عائشة: ولم؟ قالت: انه كان فيمن حدث الحديث قالت عائشة: وأي حديث؟ قالت: كذا وكذا قلت: وقد بلغ ذاك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟ قالت: نعم.. قلت: وأبا بكر؟ قالت: نعم.. فخرت عائشة مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فقمت فزبرتها، وجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما شأن هذه؟ قلت: يا رسول اللّه أخذتها حمى بنافض قال: فلعله من حديث تحدث به. قالت واستوت عائشة قاعدة فقالت: واللّه لئن حلفت لا تصدقوني. ولئن اعتذرت اليكم لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، {واللّه المستعان على ما تصفون} وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه عذرها، فرجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معه أبو بكر فدخل فقال: يا عائشة ان اللّه قد أنزل عذرك فقالت: بحمد اللّه لا بحمدك فقال لها أبو بكر: أتقولين هذا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؟! قالت: نعم.. قالت: وكان فيمن حدث الحديث رجل كان يعوله أبو بكر، فحلف أبو بكر أن لا يصله، فأنزل {ولا يأتل اولوا الفضل منكم والسعة} إلى آخر الآية قال أبو بكر: بلى.. فوصله. وأخرج البزار وابن مردويه بسند حسن عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد سفر أقرع بين نسائه، فأصاب عائشة القرعة في غزوة بني المصطلق، فلما كان في جوف الليل انطلقت عائشة لحاجة فانحلت قلادتها، فذهبت في طلبها، وكان مسطح يتيما لأبي بكر وفي عياله، فلما رجعت عائشة لم تر العسكر، وكان صفوان بن المعطل السلمي يتخلف عن الناس، فيصيب القدح والجراب والاداوة فيحمله، فنظر فإذا عائشة، فغطى وجهه عنها ثم أدنى بعيره منها، فانتهى إلى العسكر فقالوا: قولا: وقالوا فيه قال: ثم ذكر الحديث حتى انتهى، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجيء، فيقوم على الباب فيقول: كيف تيكم؟ حتى جاء يوما فقال: ابشري يا عائشة قد أنزل اللّه عذرك فقالت: بحمد اللّه لا بحمدك وأنزل في ذلك عشر آيات {ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم} فحد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مسطحا، وحمنة، وحسان. وأخرج ابن مردويه بسنده عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا سافر جاء ببعض نسائه. وسافر بعائشة وكان لها هودج، وكان الهودج له رجال يحملونه. ويضعونه، فعرس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، وخرجت عائشة للحاجة فباعدت، فلم يعلم بها، فاستيقظ النبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والناس قد ارتحلوا، وجاء الذين يحملون الهودج، فحملوه فلم يعلموا إلا أنها فيه، فساروا، وأقبلت عائشة فوجدت النبي صلى اللّه عليه وسلم والناس قد ارتحلوا، فجلست مكانها، فاستيقظ رجل من الانصار يقال له صفوان بن معطل، وكان لا يقرب النساء، فتقرب منها ومعه بعير له، فلما رآها وكان قد عرفها وهي صغيرة قال: أم المؤمنين! ولى وجهه، وحملها ثم أخذ بخطام الجمل، وأقبل يقوده حتى لحق الناس. والنبي صلى اللّه عليه وسلم قد نزل وفقد عائشة، فأكثروا القول وبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فشق عليه حتى اعتزلها، واستشار فيها زيد بن ثابت وغيره فقال: يا رسول اللّه دعها لعل اللّه أن يحدث أمره فيها فقال علي بن أبي طالب: النساء كثير. وخرجت عائشة ليلة تمشي في نساء فعثرت أم مسطح فقالت: تعس مسطح قالت عائشة: بئس ما قلت فقالت: انك لا تدري ما يقول فاخبريها. فسقطت عائشة مغشيا عليها، ثم أنزل اللّه {ان الذين جاؤا بالافك} الآيات. وكان أبو بكر يعطي مسطحا ويصله ويبره، فحلف أبو بكر لا يعطيه، فنزل {ولا يأتل أولوا الفضل منكم...} فأمره النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يأتيها ويبشرها، فجاء أبو بكر فأخبرها بعذرها، وما أنزل اللّه فيها فقالت: بحمد اللّه لا بحمدك ولا بحمد صاحبك. وأخرج الطبراني وابن مردويه بسنده عن عمر قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ثلاثا، فمن أصابته القرعة خرج بها معه، فلما غزا بني المصطلق، اقرع بينهن، فأصابت عائشة، وأم سلمة، فخرج بهما معه، فلما كانوا في بعض الطريق، مال رحل أم سلمة، فاناخوا بعيرها ليصلحوا رحلها، وكانت عائشة تريد قضاء حاجة، فلما أبركوا ابلهم قالت عائشة: فقلت في نفسي إلى ما يصلح رحل أم سلمة أقضي حاجتي. قالت: فنزلت من الهودج ولم يعلموا بنزولي. فأتيت خربة، فانقطعت قلادتي، فاحتبست في جمعها ونظامها، وبعث القوم إبلهم ومضوا وظنوا اني في الهودج، فخرجت ولم أر أحد، فاتبعهم حتى أعييت. فقلت في نفسي: ان القوم سيفقدوني ويرجعون في طلبي، فقمت على بعض الطريق، فمر بي صفوان بن المعطل وكان سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم ان يجعله على الساقة فجعله. وكان إذا رحل الناس قام يصلي ثم اتبعهم، فما سقط منهم من شيء حمله حتى يأتي به أصحابه قالت عائشة: فلما مر بي ظن أني رجل فقال: يا نومان قم فإن الناس قد مضوا فقلت: اني لست رجلا، أنا عائشة قال: انا للّه وانا اليه راجعون، ثم أناخ بعيره، فعقل يديه، ثم ولى عني، فقال يا امه: قومي فاركبي، فإذا ركبت فآذنيني قالت: فركبت، فجاء حتى حل العقال ثم بعث جمله فأخذ بخطام الجمل قال عمر: فما كلمها كلاما حتى أتى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فقال عبد اللّه بن أبي ابن سلول للناس: فجربها ورب الكعبة، وأعانه على ذلك حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة، وشاع ذلك في العسكر، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فكان في قلب النبي صلى اللّه عليه وسلم مما قالوا حتى رجعوا إلى المدينة، وأشاع عبد اللّه بن أبي هذا الحديث في المدينة، واشتد ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قال عائشة: فدخلت ذات يوم أم مسطح، فرأتني وأنا أريد المذهب، فحملت معي السطل وفيه ماء، فوقع السطل منها فقالت: تعس مسطح قالت لها عائشة - سبحان اللّه - تسبين رجلا من أهل بدر وهو ابنك؟ قالت لها أم مسطح: انه سال بك السيل وأنت لا تدرين واخبرتها بالخبر. قالت: فلما اخبرتني اخذتني الحمى بنافض مما كان، ولم أجد المذهب. قالت عائشة: وقد كنت أرى من النبي صلى اللّه عليه وسلم قبل ذلك جفوة، ولم ادر من أي شيء هو، فلما حدثتني أم مسطح علمت أن جفوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ذاك، فلما دخل علي قلت: تأذن لي أن أذهب إلى أهلي؟ قال: اذهبي، فخرجت عائشة حتى أتت أباها فقال لها: مالك؟ قلت: اخرجني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بيته قال لها أبو بكر: فأخرجك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بيته وآويك انا، واللّه لا آويك حتى يأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يؤويها فقال لها أبو بكر: واللّه ما قيل لنا هذا في الجاهلية قط فكيف وقد اعزنا اللّه بالاسلام؟ فبكت عائشة، وامها أم رومان، وأبو بكر، وعبد الرحمن، وبكى معهم أهل الدار. وبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فصعد المنبر، فحمد اللّه واثنى عليه فقال: أيها الناس من يعذرني ممن يؤذيني؟ فقام إليه سعد بن معاذ، فسل سيفه وقال: يا رسول اللّه أنا أعذرك منه، ان يكن من الأوس اتيتك برأسه، وإن يكن من الخزرج أمرتنا بأمرك فيه، فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت واللّه ما تقدر على قتله، إنما طلبتنا بذحول كانت بيننا وبينكم في الجاهلية فقال هذا: يا للأوس وقال هذا: يا للخزرج. فاضطربوا بالنعال والحجارة فتلاطموا، فقام أسيد بن حضير فقال: فيم الكلام؟ هذا رسول اللّه يأمرنا بأمره فنفعله عن رغم أنف من رغم. ونزل جبريل وهو على المنبر، فلما سري عنه، تلا عليهم ما نزل به جبريل {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..} (الحجرات: ٩) إلى آخر الآيات فصاح الناس: رضينا بما أنزل اللّه وقام وبعضهم إلى بعض، وتلازموا، وتصايحوا، فنزل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن المنبر. وأبطأ الوحي في عائشة، فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وبريرة، وكان إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يعد عليا، وأسامة بن زيد، بعد موت أبيه زيد فقال لعلي: ما تقول في عائشة فقد أهمني ما قال الناس؟ قال: يا رسول اللّه قد قال الناس، وقد حل لك طلاقها، وقال لأسامة: ما تقول أنت؟ قال - سبحان اللّه - ما يحل لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم. فقال لبريرة: ما تقولين يا بريرة؟ قالت واللّه يا رسول اللّه ما علمت على أهلك إلا خيرا، إلا أنها امرأة نؤم تنام حتى تجيء الداجن، فتأكل عجينها وإن كان شيء من هذا ليخبرنك اللّه. فخرج صلى اللّه عليه وسلم حتى أتى منزل أبي بكر، فدخل عليها فقال: يا عائشة ان كنت فعلت هذا الامر فقولي لي حتى أستغفر اللّه لك فقالت: واللّه لا أستغفر اللّه منه أبدا. ان كنت قد فعلته فلا غفر اللّه لي، وما أجد مثلي ومثلكم إلا مثل أبي يوسف، اذهب اسم يعقوب من الأسف قال {إنما أشكوا بثي وحزني إلى اللّه وأعلم من اللّه ما لا تعلمون} (يوسف: ٨٦). فبينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكلمها إذ نزل جبريل بالوحي، فأخذت النبي صلى اللّه عليه وسلم نعسة، فسري وهو يتبسم فقال: يا عائشة ان اللّه قد أنزل عذرك فقالت: بحمد اللّه بحمدك. فتلا عليها سورة النور إلى الموضع الذي انتهى إليه عذرها وبراءتها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلمك قومي إلى البيت فقامت. وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد، فدعا أبا عبيدة بن الجراح، فجمع الناس، ثم تلا عليهم ما أنزل اللّه من البراءة لعائشة، وبعث إلى عبد اللّه بن أبي، فجيء به، فضربه النبي صلى اللّه عليه وسلم حدين، وبعث إلى حسان، ومسطح، وحمنة، فضربوا ضربا وجيعا ووجئ في رقابهم قال ابن عمر: إنما ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن أبي حدين لأنه من قذف أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم فعليه حدان. فبعث أبو بكر إلى مسطح لا وصلتك بدرهم أبدا، ولا عطف عليك بخير أبدا، ثم طرده أبو بكر وأخرجه من منزله. ونزل القرآن {ولا يأتل أولوا الفضل منكم} إلى آخر الآية. فقال أبو بكر: أما إذ نزل القرآن يأمرني فيك لأضاعفن لك. وكانت امرأة عبد اللّه بن أبي منافقة معه، فنزل القرآن {الخبيثات} يعني امرأة عبد اللّه {للخبيثين} يعني عبد اللّه {والخبيثون للخبيثات} عبد اللّه وامرأته {والطيبات} يعني عائشة وأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم {للطيبين} يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي اليسر الانصاري أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعائشة: يا عائشة قد أنزل اللّه عذرك قالت: بحمد اللّه لا بحمدك. فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عند عائشة، فبعث إلى عبد اللّه بن أبي، فضربه حدين، وبعث إلى مسطح، وحمنة، فضربهم. وأخرج الطبراني عن ابن عباس {ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم} يريد ان الذين جاؤا بالكذب على عائشة أم المؤمنين أربعة منكم {لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم} يريد خيرا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبراءة لسيدة نساء المؤمنين، وخير لأبي بكر، وأم عائشة، وصفوان بن المعطل {لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم والذي تولى كبره منهم} يريد اشاعته منهم يريد عبد اللّه بن أبي بن سلول {له عذاب عظيم} يريد في الدنيا جلده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وفي الآخرة مصيره إلى النار {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا أفك مبين} وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استشار فيها بريرة وأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: خيرا وقالوا: هذا كذب عظيم {لولا جاؤا عليه بأربعة شهداء} لكانوا هم والذين شهدوا كاذبين {فاذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند اللّه هم الكاذبون} يريد الكذب بعينه {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} يريد ولولا ما من اللّه به عليكم وستركم {هذا بهتان عظيم} يريد البهتان الافتراء مثل قوله في مريم بهتانا عظيما {يعظكم اللّه أن تعودوا لمثله} يريد مسطحا، وحمنة، وحسان {ويبين اللّه لكم الآيات} التي أنزلها في عائشة والبراءة لها {واللّه عليم} بما في قلوبكم من الندامة فيما خضتم به {حكيم} في القذف ثمانين جلدة {ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} يريد بعد هذا {في الذين آمنوا} يريد المحصنين والمحصنات من المصدقين {لهم عذاب أليم} وجيع في الدنيا يريد الحد، وفي الآخرة العذاب في النار {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} ما دخلتم فيه وما فيه من شدة العذاب وأنتم لا تعلمون شدة سخط اللّه على من فعل هذا. {ولولا فضل اللّه عليكم} يريد لولا ما تفضل اللّه به عليكم {ورحمته} يريد مسطحا، وحمنة، وحسان {وإن اللّه رؤوف رحيم} يريد من الرحمة رؤوف بكم حيث ندمتم ورجعتم إلى الحق {يا أيها الذين آمنوا} يريد صدقوا بتوحيد اللّه {لا تتبعوا خطوات الشيطان} يريد الزلات {فإنه بامر الفحشاء والمنكر} يريد بالفحشاء عصيان اللّه، والمنكر كل ما يكره اللّه تعالى {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} يريد ما تفضل اللّه به عليكم ورحمكم {ما زكي منكم من أحد أبدا} يريد ما قبل توبة أحد منكم أبدا {ولكن اللّه يزكي من يشاء} فقد شئت أن يتوب عليكم {واللّه سميع عليم} يريد سميع لقولكم عليم بما في أنفسكم من الندامة. {ولا يأتل} يريد ولا يحلف {أولو الفضل منكم والسعة} يريد ولا يحلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح {ان يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا} فقد جعلت فيك يا أبا بكر الفضل، وجعلت عندك السعة والمعرفة باللّه، فسخطت يا أبا بكر على مسطح فله قرابة، وله هجرة، ومسكنة، ومشاهد رضيتها منه يوم بدر {ألا تحبون} يا أبا بكر {أن يغفر اللّه لكم} يريد فاغفر لمسطح {واللّه غفور رحيم} يريد فاني غفور لمن أخطأ، رحيم باوليائي. {ان الذين يرمون المحصنات} يريد العفائف {الغافلات المؤمنات} يريد المصدقات بتوحيد اللّه وبرسله وقد قال حسان بن ثابت في عائشة: حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت عائشة: لكنك لست كذلك {لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} يقول أخرجهم من الإيمان مثل قوله في سورة الأحزاب للمنافقين {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا} (الأحزاب: ٦١). {والذي تولي كبره} يريد كبر القذف واشاعته عبد اللّه بن أبي الملعون {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} يريد أن اللّه ختم على ألسنتهم فشهدت الجوارح، وتكلمت على أهلها بذلك، وذلك أنهم قالوا تعالوا نحلف باللّه ما كنا مشركين، فختم اللّه على ألسنتهم، فتكلمت الجوارح بما عملوا، ثم شهدت ألسنتهم عليهم بعد ذلك. {يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق} يريد يجازيهم بأعمالهم بالحق، كما يجازي أولياءه بالثواب، كذلك يجازي أعداءه بالعقاب، كقوله في الحمد {مالك يوم الدين} يريد يوم الجزاء {ويعلمون} يريد يوم القيامة {ان اللّه هو الحق المبين} وذلك ان عبد اللّه بن أبي كان يشك في الدنيا، وكان رأس المنافقين فذلك قوله {يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق} ويعلم ابن سلول {ان اللّه هو الحق المبين} يريد انقطع الشك واستيقن حيث لا ينفعه اليقين. {الخبيثات للخبيثين} يريد أمثال عبد اللّه بن أبي، ومن شك في اللّه ويقذف مثل سيدة نساء العالمين {والطيبات للطيبين} عائشة طيبها اللّه لرسوله. أتى بها جبريل في سرقة من حرير قبل أن تصور في رحم أمها فقال له: عائشة بنت أبي بكر زوجتك في الدنيا، وزوجتك في الجنة عوضا من خديجة، وذلك عند موتها بشر بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقر بها عيناه. {والطيبون للطيبات} يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طيبه اللّه لنفسه، وجعله سيد ولد آدم {والطيبات} يريد عائشة {أولئك مبرؤن مما يقولون} يريد برأها اللّه من كذب عبد اللّه بن أبي {لهم مغفرة} يريد عصمة في الدنيا {ومغفرة} في الآخرة {ورزق كريم} يريد الجنة وثواب عظيم. وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن سعيد بن جبير {ان الذين جاؤوا بالافك} الكذب {عصبة منكم} يعني عبد اللّه بن أبي المنافق، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، {لاتحسبوه شرا لكم} يقول لعائشة وصفوان: لا تحسبوا الذي قيل لكم من الكذب {شرا لكم بل هو خير لكم} لأنكم تؤجرون على ذلك {لكل امرئ منهم} يعني ممن خاض في أمر عائشة {ما اكتسب من الاثم} على قدر ما خاض فيه من أمرها {والذي تولى كبره} يعني حظه منهم يعني القدفة وهو ابن أبي رأس المنافقين، وهو الذي قال: ما برئت منه، وما برئ منها {له عذاب عظيم} وفي هذه الآية عبرة عظيمة لجميع المسلمين إذا كانت فيهم خطيئة فمن أعان عليها بفعل، أو كلام، أو عرض لها، أو أعجبه ذلك، أو رضي، فهو في تلك الخطيئة على قدر ما كان منه، واذا كان خطيئة بين المسلمين فمن شهد وكره فهو مثل الغائب، ومن غاب ورضي فهو مثل شاهد. {لولا إذ سمعتوه} قذف عائشة وصفوان {ظن المؤمنون والمؤمنات} لأن منهم حمنة بنت جحش هلا كذبتم به {بأنفسهم خيرا} هلا ظن بعضهم ببعض خيرا أنهم لم يزنوا {وقالوا هذا افك مبين} إلا قالوا هذا القذف كذب بين {لولا جاؤا عليه} يعني على القذف {بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فاولئك} يعني الذي قذفوا عائشة {عند اللّه هم الكاذبون} في قولهم {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة} من تأخير العقوبة {لمسكم فيما أفضتم فيه} يعني فيما قلتم من القذف {عذاب عظيم، إذ تلقونه بالسنتكم} وذلك حين خاضوا في أمر عائشة فقال بعضهم: سمعت فلانا يقول كذا وكذا وقال بعضهم: بل كان كذا وكذا فقال {تلقونه بالسنتكم} يقول: يرويه بعضكم عن بعض {وتقولون بأفواهكم} يعني بالسنتكم من قذفها {ما ليس لكم به علم} يعني من غير أن تعلموا ان الذي قلتم من القذف حق {وتحسبونه هينا} تحسبون ان القذف ذنب هين {وهو عند اللّه عظيم} يعني من الزور {لولا إذ سمعتموه} يعني القذف {قلتم ما يكون} يعني ألا قلتم ما يكون {ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا} ولم تره أعيننا {سبحانك هذا بهتان عظيم} يعني ألا قلتم هذا كذب عظيم مثل ما قال سعد بن معاذ الانصاري: وذلك ان سعدا لما سمع قول من قال في أمر عائشة قال {سبحانك هذا بهتان عظيم} يعني ألا قلتم هذا كذب عظيم مثل ما قال سعد بن معاذ الانصاري: وذلك ان سعدا لما سمع قول من قال في أمر عائشة قال {سبحانك هذا بهتان عظيم} والبهتان الذي يبهت فيقول ما لم يكن. {يعظكم اللّه أن تعودوا لمثله أبدا} يعني القذف {ان كنتم مؤمنين} يعني مصدقين {ويبين اللّه لكم الآيات} يعني ما ذكر من المواعظ أن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة} تفشوا ويظهر الزنا {لهم عذاب أليم في الدنيا} بالحد {وفي الآخرة عذاب النار}. {ولولا فضل اللّه} لعاقبكم بما قلتم لعائشة {وإن اللّه رؤوف رحيم} حين عفا عنكم فلم يعاقبكم {ومن يتبع خطوات الشيطان} يعني تزيينه {فإنه يأمر بالفحشاء} يعني بالمعاصي {والمنكر} ما لا يعرف مثل ما قيل لعائشة {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته} يعني نعمته {ما زكا} ما صلح {ولكن اللّه يزكي} يصلح {من يشاء}. فلما أنزل اللّه عذر عائشة، وبرأها، وكذب الذين قذفوها، حلف أبو بكر ان لا يصل مسطح بن اثاثة بشيء أبدا، لأنه كان فيمن ادعى على عائشة من القذف، وكان مسطح من المهاجرين الاولين، وكان ابن خالة أبي بكر، وكان يتيما في حجره فقيرا، فلما حلف أبو بكر ان لا يصله نزلت في أبي بكر {ولا يأتل} أي ولا يحلف {أولو الفضل منكم} يعني في الغنى أبا بكر الصديق {والسعة} يعني في الرزق {أن يؤتوا أولي القربى} يعني مسطح ابن اثاثة قرابة أبي بكر وابن خالته {والمساكين} يعني ان مسطحا كان فقيرا {والمهاجرين في سبيل اللّه} يعني ان مسطحا كان من المهاجرين {وليعفوا وليصفحوا} يعني ليتجاوزوا عن مسطح {ألا تحبون أن يغفر اللّه لكم} فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبي بكر: أما تحب أن يغفر اللّه لك قال: بلى يا رسول اللّه قال: فاعف واصفح فقال أبو بكر: قد عفوت وصفحت لا أمنعه معروفا بعد اليوم. {ان الذين يرمون المحصنات} يعني يقذفون بالزنا الحافظات لفروجهن العفائف {الغافلات} يعني عن الفواحش يعني عائشة {المؤمنات} يعني الصادقات {لعنوا} يعني جلدوا {في الدنيا والآخرة} يعذبون بالنار يعني عبد اللّه بن أبي لأنه منافق له عذاب عظيم. {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} يعني من قذف عائشة يوم القيامة {يومئذ} يعني في الآخرة {يوفيهم اللّه دينهم الحق} حسابهم العدل لا يظلمهم {ويعلمون ان اللّه هو الحق المبين} يعني العدل المبين {الخبيثات} يعني السيء من الكلام قذف عائشة {للخبيثين} من الرجال والنساء يعني الذين قذفوها {والخبيثون} يعني من الرجال والنساء {للخبيثات} يعني السيء من الكلام لأنه يليق بهم الكلام السيء {والطيبات} يعني الحسن من الكلام {للطيبين} من الرجال والنساء يعني الذين ظنوا بالمؤمنين والمؤمنات خيرا {والطيبون} من الرجال والنساء {للطيبات} للحسن من الكلام لأنه يليق بهم الكلام الحسن {أولئك} يعني الطيبين من الرجال والنساء {مبرؤون ما يقولون} هم برآء من الكلام السيء {لهم مغفرة} يعني لذنوبهم {ورزق كريم} يعني حسنا في الجنة فلما أنزل اللّه عذر عائشة ضمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى نفسه وهي من أزواجه في الجنة. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: أنزل اللّه عذري وكادت الامة تهلك في سببي، فلما سري عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعرج الملك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأبيك اذهب إلى ابنتك، فاخبرها ان اللّه قد أنزل عذرها من السماء قالت: فاتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر فقال: ابشري يا بنية بأبي وأمي، فإن اللّه قد أنزل عذرك قلت: بحمد اللّه لا بحمدك ولا بحمد صاحبك الذي أرسلك، ثم دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتناول ذراعي فقلت بيده هكذا، فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها، فمنعته أمي، فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أقسمت لا تفعل. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: واللّه ما كنت أرجو أن ينزل في كتاب اللّه، ولا أطمع فيه، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رؤيا فيذهب ما في نفسه وقد سأل الجارية الحبشية فقالت: واللّه لعائشة أطيب من طيب الذهب، ولكنها ترقد حتى تدخل تدخل الشاة فتأكل عجينها، واللّه لئن كان ما يقول الناس حقا ليخبرنك اللّه. فعجب الناس من فقهها. وأخرج الطبراني عن الحكم ابن عتيبة قال: لما خاض الناس في أمر عائشة، أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عائشة فقال: يا عائشة ما يقول الناس؟ فقالت: لا أعتذر من شيء قالوه حتى ينزل عذري من السماء. فأنزل اللّه فيها خمس عشرة آية من سورة النور، ثم قرأ حتى بلغ {الخبيثات للخبيثين}. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: نزلت ثمان عشرة آية متواليات بتكذيب من قذف عائشة وببراءتها. وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن عائشة قالت: لما رميت بما رميت به، هممت ان آتي قلبيا فاطرح نفسي فيه. وأخرج البزار بسند صحيح عن عائشة: انه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رأسها فقالت: إلا عذرتني؟ فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني ان قلت ما لا أعلم. وأخرج أحمد عن عائشة قالت: لما نزلت عذري من السماء، جاءني النبي صلى اللّه عليه وسلم، فاخبرني بذلك، فقلت: بحمد اللّه لا بحمدك. وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت: لما نزل عذري، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل.. أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدين. وأخرج ابن جرير عن محمد ابن عبد اللّه بن جحش قال: تفاخرت عائشة وزينب فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي وقالت عائشة: وأنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعطل فقالت لها زينب: يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟ قالت: قلت حسبي اللّه ونعم الوكيل قالت: قلت كلمة المؤمنين.وأخرج البخاري وابن مردويه عن ابن عباس: أنه دخل على عائشة قبل موتها وهي مغلوبة فقال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير ان اتقيت قال: فأنت بخير. زوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولم ينكح بكرا غيرك، ونزل عذرك من السماء. وأخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: خلال في تسع لم تكن لأحد إلا ما آتى اللّه مريم، جاء الملك بصورتي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وتزوجني وأنا ابنة سبع سنين، وأهديت اليه وأنا ابنة تسع، وتزوجني بكرا، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس اليه، ونزل في آيات من القرآن كادت الامة تهلك فيها، ورأيت جبريل ولم يره احد من نسائه غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك إلا أنا. وأخرج ابن سعد عن عائشة قالت: فضلت على نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم بعشر. قيل ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكرا قط غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل اللّه براءتي من السماء، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة وقال تزوجها فإنها امرأتك، وكنت أغتسل أنا وهو من اناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض اللّه نفسه وهو بين سحري ونحري، ومات في الليلة التي كان يدور علي فيها ودفن في بيتي. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن الحميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن مجاهد في قوله {ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم} قال: أصحاب عائشة عبد اللّه بن أبي ابن سلول، ومسطح، وحسان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: الذين افتروا على عائشة حسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش، وعبد اللّه بن أبي. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عروة: أن عبد الملك بن مروان كتب اليه يسأله عن الذين جاؤا بالافك، فكتب اليه أنه لم يسم منهم إلا حسان، ومسطح، وحمنة بنت جحش، في آخرين لا علم لي بهم. وأخرج البخاري وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال: الذي تولى كبره منهم علي. فقلت: لا. حدثني سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص، وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، كلهم سمع عائشة تقول: الذي تولى كبره عبد اللّه بن أبي قال: فقال لي فما كان جرمه؟ قلت: حدثني شيخان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنهما سمعا عائشة تقول: كان مسيئا في أمري. وقال يعقوب بن شبة في مسنده: حدثنا الحسن بن علي الحلواني، ثنا الشافعي، ثنا عمى قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له: يا سليمان الذي تولى كبره من هو؟ قال: عبد اللّه بن أبي قال: كذبت هو علي. قال أمير المؤمنين أعلم بما يقول فدخل الزهري فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟ فقال له: ابن أبي قال: كذبت. هو علي قال: أنا أكذب - لا أبا لك - لو نادى مناد من السماء ان اللّه أحل الكذب ما كذبت. حدثني عروة، وسعيد، وعبيد اللّه، وعلقمة، عن عائشة: ان الذي تولى كبره عبد اللّه بن أبي. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن مسروق قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة رضي اللّه عنها فشبب وقال: حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثي من لحوم الغوافل قالت: لكنك لست كذلك قلت: تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل اللّه {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} فقالت: وأي عذاب أشد من العمى؟! ولفظ ابن مردويه أو ليس في عذاب قد كف بصره؟ وأخرج ابن جرير من طريق الشعبي عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة. قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم: هجوت محمدا وأجبت عنه * وعند اللّه في ذاك الجزاء فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء أتشتمه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء لساني صارم لا عيب فيه * وبحري لا تكدره الدلاء فقيل: يا أم المؤمنين أليس هذا لغوا؟ قالت: لا إنما اللغو ما قيل عند النساء قيل: أليس اللّه يقول {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم}؟ قالت: أليس قد أصابه عذاب أليم؟ أليس قد أصيب بصره، وكسع بالسيف، وتعني الضربة التي ضربها اياه صفوان بن المعطل حين بلغه عنه أنه تكلم في ذلك فعلاه بالسيف وكاد يقتله؟ وأخرج محمد بن سعد عن محمد بن سيرين. أن عائشة كانت تأذن لحسان بن ثابت، وتدعو له بالوسادة وتقول: لا تؤذوا حسان فإنه كان ينصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلسانه وقال اللّه {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} وقد عمي، واللّه قادر أن يجعل ذلك العذاب العظيم عماه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك {والذي تولى كبره منهم} يقول: الذي بدأ بذلك. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد {والذي تولى كبره} قال: عبد اللّه بن أبي ابن سلول يذيعه. وأخرج عبد بن الحميد عن قتادة قال: ذكر لنا أن الذي تولى كبره رجلان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم. أحدهما من قريش، والآخر من الانصار. عبد اللّه بن أبي بن سلول ولم يكن شر قط إلا وله قادة ورؤساء في شرهم. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين. أن عائشة كانت تأذن لحسان بن ثابتن وتلقي له الوسادة وتقول. لا تقولوا لحسان إلا خيرا، فإنه كان يرد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد قال اللّه {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} وقد عمي، والعمى عذاب عظيم، واللّه قادر على أن يجعله ذلك، ويغفر لحسان، ويدخله الجنة. وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن مسروق قال في قراءة عبد اللّه (والذي تولى كبره منهم له عذاب أليم). |
﴿ ١١ ﴾