٣١‏

أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بسند صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ ‏"‏ان أبا معيط كان يجلس مع النبي صلى اللّه عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام فقالت قريش‏:‏ صبا أبو معيط، وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته‏:‏ ما فعل محمد مما كان عليه‏؟‏ فقالت‏:‏ أشد مما كان أمرا أبو معيط فحياه، فلم يرد عليه التحية فقال‏:‏ مالك‏.‏ لا ترد علي تحيتي‏؟‏ فقال‏:‏ كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت‏؟‏ قال‏:‏ أوقد فعلتها قريش‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال فما يبرئ صدورهم ان أنا فعلت قال‏:‏ نأتيه في مجلسه، وتبصق في وجهه، وتشمته باخبث ما تعلمه من الشتم‏.‏ ففعل، فلم يزد النبي صلى اللّه عليه وسلم ان مسح وجهه من البصاق، ثم التفت اليه فقال‏:‏ ان وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا‏.‏

فلما كان يوم بدر، وخرج أصحابه، أبى أن يخرج فقال له أصحابه‏:‏ أخرج معنا قال‏:‏ قد وعدني هذا الرجل ان وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا فقالوا‏:‏ لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليهن فخرج معهم، فلما هزم اللّه المشركين، وحل به جمله في جدد من الأرض، فاخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أسيرا في في سبعين من قريش، وقدم اليه أبو معيط فقال‏:‏ تقتلني من بين هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ بما بصقت في وجهي، فأنزل اللّه في أبي معيط ‏{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ إلى قوله ‏{‏وكان الشيطان للإنسان خذولا‏}‏ ‏"‏‏.

وأخرج أبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا اليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى اللّه عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه الشقاء فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاما ثم دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى طعامه فقال‏:‏ ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه‏.‏ فقال‏:‏ أطعم يا ابن أخي‏.‏ قال‏:‏ ما أنا بالذي أفعل حتى تقول‏.‏‏.‏‏.‏ فشهد بذلك وطعم من طعامه‏.‏

فبلغ ذلك أبي خلف فاتاه فقال‏:‏ أصبوت يا عقبة‏؟‏ - وكان خليله - فقال‏:‏ لا واللّه ما صبوت‏.‏ ولكن دخل على رجل فابى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل ان يطعم، فشهدت له، فطعم‏.‏ فقال‏:‏ ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبصق في وجهه‏.‏ ففعل عقبة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فاسر عقبة يوم بدر فقتل صبرا ولم يقتل من الاسارى يومئذ غيره‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى اللّه عليه وسلم فزجره عقبة بن أبي معيط، فنزل ‏{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ إلى قوله ‏{‏وكان الانسان خذولا‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن مقسم مولى ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ان عقبة بن أبي معيط، وأبي بن خلف الجمحي التقيا فقال عقبة بن أبي معيط لأبي بن خلف وكانا خليلين في الجاهلية، وكان أبي قد أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم فعرض عليه الإسلام، فلما سمع بذلك عقبة قال‏:‏ لا أرضى عنك حتى تأتي محمدا فتتفل في وجهه وتشمته وتكذبه‏.‏ قال‏:‏ فلم يسلطه اللّه على ذلك‏.‏

فلما كان يوم بدر، أسر عقبة بن أبي معيط في الاسارى فامر به النبي صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يقتله فقال عقبة‏:‏ يا محمد أمن بين هؤلاء أقتل‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ بم‏؟‏ قال‏:‏ بكفرك وفجورك وعتوك على اللّه وعلى رسوله، فقام اليه علي بن أبي طالب فضرب عنقه‏.‏

وأما أبي بن خلف فقال‏:‏ واللّه لا قتلن محمدا‏.‏ فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ بل أنا أقتله ان شاء اللّه‏.‏ فافزعه ذلك فوقعت في نفسه لأنهم لم يسمعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال قولا إلا كان حقا، فلما كان يوم أحد خرج مع المشركين، فجعل يلتمس غفلة النبي صلى اللّه عليه وسلم ليحمل عليه‏.‏ فيحول رجل من المسلمين بين النبي صلى اللّه عليه وسلم وبينه‏.‏ فلما رأى ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه‏:‏ خلوا عنه فاخذ الحربة فرماه بها، فوقعت في ترقوته، فلم يخرج منه كبير دم واحتقن الدم في جوفه، فخار كما يخور الثور فاتى أصحابه حتى احتملوه وهو يخور وقالوا‏:‏ ما هذا‏؟‏‏!‏ فواللّه ما بك إلا خدش فقال‏:‏ واللّه لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني اليس قد قال‏:‏ أنا أقتله، واللّه لو كان الذي بي باهل ذي المجاز لقتلهم‏.‏

قال‏:‏ فما لبث إلا يوما أو نحو ذلك حتى مات إلى النار، وأنزل اللّه فيه ‏{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ إلى قوله ‏{‏وكان الشيطان للإنسان خذولا‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سابط قال‏:‏ ‏"‏صنع أبي بن خلف طعاما ثم أتى مجلسا فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ قوموا‏.‏ فقاموا غير النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا اللّه وأني رسول اللّه، فتشهد‏.‏ فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم فلقيه عقبة بن أبي معيط فقال‏:‏ قلت‏:‏ كذا وكذا قال‏:‏ إنما أردت لطعامنا فذلك قوله ‏{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ ‏"‏‏.‏

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ قال‏:‏ عقبة بن أبي معيط دعا مجلسا فيه النبي صلى اللّه عليه وسلم لطعام، فابى النبي صلى اللّه عليه وسلم ان يأكل وقال‏:‏ ‏"‏ لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمدا رسول اللّه‏.‏ فلقيه أميه بن خلف فقال‏:‏ أقد صبوت‏؟‏ فقال‏:‏ ان أخاك على ما تعلم ولكن صنعت طعاما فابى ان يأكل حتى قلت ذلك، فقلته وليس من نفسي‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن هشام في قوله{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ قال‏:‏ يأكل كفيه ندامة حتى يبلغ منكبه لا يجد مسها‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ قال‏:‏ يأكل يده ثم تنبت‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ قال‏:‏ بلغني انه يعضه حتى يكسر العظم ثم يعود‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ نزلت في أمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، ‏{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ قال‏:‏ هذا عقبة‏.‏ ‏{‏لم أتخذ فلانا خليلا‏}‏ قال‏:‏ أمية وكان عقبة خدنا لأمية فبلغ أمية أن عقبة يريد الإسلام، فاتاه وقال‏:‏ وجهي من وجهك حرام أن أسلمت أن أكلمك أبدا‏.‏ ففعل، فنزلت هذه الآية فيهما‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي مالك في قوله{‏لم أتخذ فلانا خليلا‏}‏ قال‏:‏ عقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف كانا متواخيين في الجاهلية يقول أمية بن خلف‏:‏ يا ليتني لم اتخذ عقبة بن أبي معيط خليلا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن ميمون في قوله{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏نزلت في عقبة بن أبي معيط، وابي بن خلف، دخل النبي صلى اللّه عليه وسلم على عقبة في حاجة وقد صنع طعاما للناس، فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى طعامه قال‏:‏ لا‏.‏‏.‏‏.‏ حتى تسلم‏.‏ فاسلم فاكل‏.‏‏.‏‏.‏ وبلغ الخبر أبي بن خلف، فاتى عقبة فذكر له ما صنع فقال له عقبة‏:‏ أترى مثل محمد يدخل منزلي وفيه طعام ثم يخرج ولا يأكل‏!‏ قال‏:‏ فوجهي من وجهك حرام حتى ترجع عما دخلت فيه‏.‏ فرجعز فنزلت الآية‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ‏{‏ويوم يعض الظالم على يديه‏}‏ قال‏:‏ أبي بن خلف، وعقبة بن أبي معيط‏.‏ وهما الخليلان في جهنم على منبر من نار‏.‏

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال‏:‏ ذكر لنا أن رجلا من قريش كان يغشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلقيه رجل من قريش - وكان له صديقا - فلم يزل به حتى صرفه وصده عن غشيان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه فيهما ما تسمعون‏.‏

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ‏{‏ياليتني لم أتخذ فلانا خليلا‏}‏ قال‏:‏ الشيطان‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ‏{‏وكان الشيطان للإنسان خذولا‏}‏ قال‏:‏ خذل يوم القيامة وتبرأ منه ‏{‏وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا‏}‏ هذا قول نبيكم يشتكي قومه إلى ربه قال اللّه يعزي نبيه‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين‏}‏ يقول‏:‏ ان الرسل قد لقيت هذا من قومها قبلك فلا يكبرن عليك‏.‏

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابنجرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله{‏اتخذوا هذا القرآن مهجورا‏}‏ قال‏:‏ يهجرون فيه بالقول السيء‏.‏ يقولون‏:‏ هذا سحر‏.‏

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله{‏اتخذوا هذا القرآن مهجورا‏}‏ قالوا‏:‏ فيه هجيرا غير الحق‏.‏ ألم تر المريض إذا هذى قيل‏:‏ هجر‏؟‏ أي قال‏:‏ غير الحق‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله{‏وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين‏}‏ قال‏:‏ لم يبعث نبي قط إلا كان المجرمون له أعداء‏.‏ ولم يبعث نبي قط إلا كان بعض المجرمين أشد عليه من بعض‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ‏{‏وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين‏}‏ قال‏:‏ كان عدو النبي صلى اللّه عليه وسلم أبو جهل، وعدو موسى قارون، وكان قارون ابن عم موسى‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ‏{‏وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين‏}‏ قال‏:‏ يوطن محمد صلى اللّه عليه وسلم انه جاعل له عدوا من المجرمين كما جعل لمن قبله‏.

﴿ ٣١