٤ وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: اجتمع قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر، والكهانة، والشعر، فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه؟ فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة قالوا: أنت يا أبا الوليد. فأتاه فقال: يا محمد أنت خير أم عبد اللّه. أنت خير أم عبد المطلب. فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع لك، أما واللّه ما رأينا سلحة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب. حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا، واللّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف. يا أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا واحدا، وإن كان نما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "فرغت قال: نعم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: بسم اللّه الرحمن الرحيم {حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} حتى بلغ {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فقال عتبة: حسبك..! ما عندك غير هذا؟ قال: لا. فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمون به إلا كلمته قالوا: فهل أجابك؟ قال: والذي نصبها بنية ما فهمت شيئا مما قال، غير أنه قال {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} قالوا: ويلك..! يكلمك الرجل بالعربية وما تدري ما قال؟ قال: لا. واللّه ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة". وأخرج ابن إسحق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن محمد بن كعب القرظي رضي اللّه عنه قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان أشد قريش حلما. قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس وحده في المسجد، يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه، فأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل منها بعضه، ويكف عنا؟ قالوا: بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكر الحديث فيما قال له عتبة، وفيما عرض عليه من المال، والملك، وغير ذلك. حتى إذا فرغ عتبة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فأستمع مني. قال أفعل. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: بسم اللّه الرحمن الرحيم {حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} فلما سمعها عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى السجدة، فسجد فيها ثم قال: سمعت يا أبا الوليد؟ قال: سمعت قال: أنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف باللّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: واللّه إني قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط، واللّه ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، واللّه ليكونن لقوله الذي سمعت نبا". وأخرج أبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: لما قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم على عتبة بن ربيعة {حم، تنزيل من الرحمن الرحيم} أتى أصحابه فقال: يا قوم أطيعوني في هذا اليوم، واعصوني بعده، فواللّه لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت مثله قط، وما دريت ما أرد عليه. وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب رضي اللّه عنه قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مصعب بن عمير، فنزل في بني غنم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس، فجاء سعد بن معاذ فتوعده فقال له أسعد بن زرارة: اسمع من قوله؟ فإن سمعت منكرا فاردده يا هذا، وإن سمعت حقا فأجب إليه. فقال: ماذا تقول؟ فقرأ مصعب {حم، والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لقوم يعقلون} قال: سعد بن معاذ رضي اللّه عنه: ما أسمع إلا ما أعرف، فرجع وقد هداه اللّه. وأخرج البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: قد انتشر علينا أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر، والكهانة، والشعر. فقال عتبة. علمت من ذلك علما، وما يخفى علي إن كان كذلك، فأتاه فلما أتاه قال له: يا محمد أنت خير أم هاشم، أنت خير أم عبد المطلب. فلم يجبه قال: فيم تشتم آلهتنا، وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت، وإن كان بك الباءة زوجناك عشرة نسوة تختار من أي بنات قريش، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك - ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ساكت لا يتكلم - فلما فرغ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "{بسم اللّه الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا} فقرأ حتى بلغ (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسك عتبة على فيه، وناشده الرحم أن يكف عنه، لم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم فقال أبو جهل: يا معشر قريش ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته انتقلوا بنا إليه. فأتوه فقال أبو جهل: واللّه يا عتبة ما حسبنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كنت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن محمد. فغضب وأقسم باللّه لا يكلم محمد أبدا وقال: لقد علمتم أني أكثر قريش مالا ولكني أتيته. فقص عليهم القصة، فأجابني بشيء واللّه ما هو بسحر، ولا شعر، ولا كهانة، فقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم، {حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا} حتى بلغ (أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) فأمسكت بفيه وناشدته الرحم فكيف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب". وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر رضي اللّه عنهما. أن قريشا اجتمعت برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس في المسجد، فقال لهم عتبة بن ربيعة: دعوني حتى أقوم إلى محمد أكلمه، فإني عسى أن أكون أرفق به منكم. فقام عتبة حتى جلس إليه، فقال: يا ابن أخي إنك أوسطنا بيتا، وأفضلنا مكانا، وقد أدخلت في قومك ما لم يدخل رجل على قومه قبلك، فإن كنت تطلب بهذا الحديث مالا فذلك لك على قومك أن تجمع لك حتى تكون أكثرنا مالا، وأن كنت تريد شرفا فنحن مشرفوك حتى لا يكون أحد من قومك فوقك ولا نقطع الأمور دونك، وإن كان هذا عن لمم يصيبك لا تقدر على النزوع عنه بذلنا لك خزائنا في طلب الطب لذلك منه، وإن كنت تريد ملكا ملكناك. قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. فقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {حم} السجدة حتى مر بالسجدة فسجد وعتبة ملق يده خلف ظهره حتى فرغ من قرأءته، وقام عتبة لا يدري ما يراجعه به. حتى أتى نادي قومه، فلما رأوه مقبلا قالوا: لقد رجع إليكم بوجه ما قام به من عندكم، فجلس إليهم فقال: يا معشر قريش قد كلمته بالذي أمرتموني به. حتى إذا فرغت كلمني بكلام لا واللّه ما سمعت أذناي بمثله قط، فما دريت ما أقول له! يا معشر قريش أطيعوني اليوم، واعصوني فيما بعده. اتركوا الرجل واعتزلوه، فواللّه ما هو بتارك ما هو عليه، وخلوا بينه وبين سائر العرب، فإن يكن يظهر عليهم يكن شرفه شرفكم، وعزه عزكم، وملكه ملككم، وإن يظهروا عليه تكونوا قد كفيتموه بغيركم. قالوا: أصبأت إليه يا أبا الوليد؟ ". وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنه قال: "جئت أزور عائشة رضي اللّه عنها ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوحى إليه، ثم سري عنه فقال: يا عائشة ناوليني ردائي، فناولته، ثم أتى المسجد فإذا مذكر يذكر، فجلس حتى إذا قضى المذكر تذكره إفتتح (حم، تنزيل من الرحمن الرحيم) (السجدة: ١) فسجد حتى طالت سجدته، ثم تسامع به من كان على ميلين، وتلا عليه السجدة فأرسلت عائشة رضي اللّه عنها في خاصتها أن احضروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلقد رأيت ما لم أره منذ كنت معه، فرفع رأسه فقال: سجدت هذه السجدة شكر لربي فيما أبلاني في أمتي فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه: وماذا أبلاك في أمتك؟ قال: أعطاني سبعين ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب. فقال أبو بكر رضي اللّه عنه: يا رسول اللّه إن أمتك كثير طيب فازدد قال: قد فعلت فأعطاني مع كل واحد من السبعين ألفا، سبعين ألفا فقال: يا رسول اللّه ازدد لأمتك فقال بيده، ثم قال بها على صدره فقال عمر رضي اللّه عنه: وعيت يا رسول اللّه". وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الخليل بن مرة رضي اللّه عنه. أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ تبارك، وحم السجدة. |
﴿ ٤ ﴾