|
٨ أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا نزل منزلا في السفر لم يرتحل منه حتى يصلي فيه، فلما كان غزوة تبوك نزل منزلا، فقال عبد اللّه بن أبي: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فارتحل ولم يصل، فذكروا ذلك فذكر قصة ابن أبي، ونزل القرآن {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول اللّه واللّه يعلم إنك رسوله} وجاء عبد اللّه بن أبي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، فجعل يعتذر ويحلف ما قال ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول له: تب، فجعل يلوي رأسه، فأنزل اللّه عز وجل {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لووا رؤوسهم} الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لووا رؤوسهم} قال: عبد اللّه بن أبي بن سلول، قيل له: تعال يستغفر لك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلوى رأسه وقال: ماذا قلت؟. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لووا رؤوسهم} قال: حركوها استهزاء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية، قال: نزلت في عبد اللّه بن أبي وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم بحديث وتكذيب شديد، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذلوه، وقيل لعبد اللّه رضي اللّه عنه: لو أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه، ويقول: لست فاعلا وكذب علي، فأنزل اللّه ما تسمعون. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الحكم عن عكرمة أن عبد اللّه بن أبي بن سلول كان له ابن يقال له حباب، فسماه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه، فقال يا رسول اللّه: إن والدي يؤذي اللّه ورسوله، فذرني حتى أقتله، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تقتل أباك" ثم جاءه أيضا، فقال له: يا رسول اللّه إن والدي يؤذي اللّه ورسوله فذرني حتى أقتله، فقال له رسو ل اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تقتل أباك" ثم جاءه أيضا فقال: يا رسول اللّه إن والدي يؤذي اللّه ورسوله، فذرني أقتله، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "لا تقتل أباك" فقال: يا رسول اللّه فذرني حتى أسقيه من وضوئك لعل قلبه يلين، فتوضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأعطاه، فذهب به إلى أبيه فسقاه ثم قال له: هل تدري ما سقيتك؟ قال له والده: سقيتني بول أمك، فقال له ابنه: واللّه ولكن سقيتك وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال عكرمة: وكان عبد اللّه بن أبي عظيم الشأن، وفيه أنزلت هذه الآية في المنافقين هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا، وهو الذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال الحكم: ثم حدثني بشر بن مسلم أنه قيل له: يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أومن فقد آمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد. وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال: كان لعبد اللّه بن أبي مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفا له في نفسه وفي قومه، فكان إذا جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال: أيها الناس هذا رسو ل اللّه بين أظهركم أكرمكم اللّه به، وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أحد وصنع المنافق ما صنع في أحد، فقام يفعل كما كان يفعل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا: اجلس يا عدو اللّه، لست لهذا المقام بأهل. قد صنعت ما صنعت. فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: واللّه لكأني قلت هجرا أن قمت أسدد أمره، فقال له رجل: ويحك ارجع يستغفر لك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال المنافق: واللّه لا أبغي أن يستغفر لي. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما نزلت آية براءة {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) (سورة التوبة الآية ٨٠) قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "اسمع ربي (قدر خص)؟ ؟؟؟ قد رخص لي فيهم، فواللّه لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل اللّه أن يغفر لهم" فنزلت {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم}. وأخرج ابن مردويه عن عروة قال: لما نزلت (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم) (سورة التوبة ٨٠) قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "لأزيدن على السبعين" فأنزل اللّه {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} الآية. وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: نزلت هذه الأية {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا} في عسيف لعمر بن الخطاب. وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم وعبد اللّه بن مسعود أنهما كانا يقرآن {لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا من حوله}. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه} قال: إن عبد اللّه بن أبي قال لأصحابه: لا تنفقواعلى من عند رسول اللّه، فإنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا، وفي قوله: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} قال: قد قالها منافق عظيم النفاق في رجلين اقتتلا أحدهما غفاري والآخر جهني، فظهر الغفاري على الجهني، وكان بين جهينة وبين الأنصار حلف، فقال رجل من المنافقين: وهو عبد اللّه بن أبي، يا بني الأوس والخزرج، عليكم صاحبكم وحليفكم. ثم قال: واللّه ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك. واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسعى بها بعضهم إلى نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال عمر: يا نبي اللّه مر معاذا أن يضرب عنق هذا المنافق. فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وذكر لنا أنه كثر على رجلين من المنافقين عنده فقال عمر: هل يصلي؟ قالوا: نعم ولا خير في صلاته. قال نهيت عن المصلين، نهيت عن المصلين، نهيت عن المصلين. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا} يقول: لا تطعموا محمدا وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة فيتركوا نبيهم وفي قوله: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} قال: قال ذلك عبد اللّه بن أبي رأس المنافقين وأناس معه من المنافقين. وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد اللّه قال: كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في غزاة، قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المصطلق، فكسع رجل من المنافقين رجلا من الأنصار[؟؟] فسمع ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة" فسمع ذلك عبد اللّه بن أبي، فقال: أو قد فعلوها، واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الاذل. فبلغ النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول اللّه دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" زاد الترمذي، فقال له ابن عبد اللّه: واللّه لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم العزيز ففعل. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي اللّه عنه قال: كان بين غلام من الأنصار وغلام من بني غفار في الطريق كلام، فقال عبد اللّه بن أبي: هنيئا، لكم بأس هنيئا جمعتم سواق الحجيج من مزينة وجهينة فغلبوكم على ثماركم، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. وأخرج عبد بن حميد وعن عكرمة رضي اللّه عنه قال: لما حضر عبد اللّه بن أبي الموت قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: فدخل عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجرى بينهما كلام، فقال له عبد اللّه بن أبي: قد أفقه ما تقول، ولكن من علي اليوم وكفني بقميصك هذا وصل علي قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: فكفنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقميصه، وصلى عليه واللّه أعلم أي صلاة كانت، وأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم لم يخدع إنسانا قط، غير أنه قال يوم الحديبية كلمة حسنة، فسئل عكرمة رضي اللّه عنه ما هذه الكلمة؟ قال: قالت له قريش: يا أبا حباب إنا قد منعنا محمدا طواف هذا البيت، ولكنا نأذن لك، فقال: لا لي في رسول اللّه أسوة حسنة. قال: فلما بلغوا المدينة أخذ ابنه السيف ثم قال لوالده: أنت تزعم لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، واللّه لا تدخلها حتى يأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وأخرج الحميدي في مسنده عن أبي هارون المدني قال: قال عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي لأبيه: واللّه لا تدخل المدينة أبدا حتى تقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الأعز وأنا الأذل. وأخرج الطبراني عن أسامة بن زيد رضي اللّه عنه: لما رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بني المصطلق قام عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي فسل على أبيه السيف، وقال: واللّه علي أن لا أغمده حتى تقول: محمد الأعز وأنا الأذل. فقال: ويلك محمد الأعز وأنا الأذل فبلغت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأعجبته وشكرها له. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: لما قدموا المدينة سل عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي على أبيه السيف وقال: لأضربنك أو تقول: أنا الأذل ومحمد الأعز. فلم يبرح حتى قال ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير رضي اللّه عنه أن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة بني المصطلق لما أتوا المنزل كان بين غلمان من المهاجرين وغلمان من الأنصار، فقال غلمان من المهاجرين: يا للمهاجرين، وقال غلمان من الأنصار: يا للأنصار، فبلغ ذلك عبد اللّه بن أبي بن سلول فقال: أما واللّه لو أنهم لم ينفقوا عليهم انفضوا من حوله، أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأمر بالرحيل، فأدرك ركبا من بني عبد الأشهل في المسير، فقال لهم: "ألم تعلموا ما قال المنافق عبد اللّه بن أبي؟ " قالوا: وماذا قال: يا رسول اللّه؟ قال: "قال أما واللّه لو لم تنفقوا عليهم لانفضوا من حوله، أما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" قالوا: صدق يا رسول اللّه، فأنت واللّه الأعز العزيز وهو الذليل. وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان معسكرا وأن رجلا من قريش كان بينه وبين رجل من الأنصار كلام حتى اشتد الأمر بينهما، فبلغ ذلك عبد اللّه بن أبي، فخرج فنادي: غلبني على قومي من لا قوم له فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فأخذ سيفه ثم خرج عامدا ليضربه، فذكر هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله) (سورة الحجرات الآية ١) فرجع حتى دخل على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: مالك يا عمر؟ قال: العجب من ذلك المنافق، يقول غلبني على قومي من لا قوم له، واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: قم فناد في الناس يرتحلوا، فارتحلوا فساروا حتى إذا كان بينهم وبين المدينة مسيرة ليلة، فعجل عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي حتى أناخ بجامع طرق المدينة، ودخل الناس حتى جاء أبوه عبد اللّه بن أبي فقال: وراءك. فقال: مالك ويلك؟ قال: واللّه لا تدخلها أبدا إلا أن يأذن رسول اللّه، ليعلمن اليوم من الأعز من الأذل. فرجع حتى لقي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه فأرسل إليه النبي صلى اللّه عليه وسلم أن خل عنه حتى يدخل ففعل، فلم يلبثوا إلا أياما قلائل حتى اشتكي عبد اللّه فاشتد وجعه فقال لابنه عبد اللّه: يا بني ائت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فادعه فإنك إذ أنت طلبت ذلك إليه فعل. ففعل ابنه فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال له: يا رسول اللّه إن عبد اللّه بن أبي شديد الوجع، وقد طلب إلي أن آتيك فتأتيه فإنه قد اشتاق إلى لقائك، فأخذ نعليه فقام، وقام معه نفر من أصحابه حتى دخلوا عليه، فقال لأهله حين دخل النبي صلى اللّه عليه وسلم: أجلسوني، فأجلسوه فبكى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أجزعنا يا عدو اللّه الآن؟ فقال: يا رسول اللّه إني لم أدعك لتؤنبني، ولكن دعوتك لترحمني، فاغرورقت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما حاجتك؟ قال: حاجتي إذا أنا مت أن تشهد غسلي وتكفني في ثلاثة أثواب من ثيابك، وتمشي مع جنازتي، وتصلي علي ففعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت هذه الآية بعد (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) (سورة التوبة الآية ٨٤). |
﴿ ٨ ﴾