٣٧

قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} قرأ مجاهد {فَتَقَبَّلَهَا} بسكون اللام {رَبُّهَا} بنصب الباء {وَأَنبَتَهَا} بكسر الباء وسكون التاء على معنى الدعاء، قال الزجاج: الأصل في العربيه فتقبلها بتقبل حسن، ولكن قبول محمول على قبلها قبولا يقال: قبلت الشيء: قبولا ويجوز قبولا: إذا رضيته

{وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} أي: جعل نشوءها نشوءا حسنا، وجاء نباتا على غير لفظ أنبت على معنى نبتت نباتا حسنا، وقال ابن الأنباري لما كان أنبت يدل على نبت حمل الفعل على المعنى: فكأنه قال وأنبتها: فنبتت هي نباتا حسنا. قال امرؤ القيس:

فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا  ورضت فذلت صعبة

أي اذلال أراد: أي رياضه، فلما دل «رضت» على «اذللت» حمله على المعنى.

وللمفسرين في معنى النبات الحسن قولان.

احدهما: أنه كمال النشوء، قال ابن عباس: كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام.

والثاني: أنه ترك الخطايا. قال قتاده: حدثنا أنها كانت لا تصيب الذنوب، كما يصيب بنو آدم. قوله تعالى:

{وَكَفَّلَهَا} قرأ ابن كثير، ونافع، وابو عمرو، وابن عامر، وكفلها بفتح الفاء خفيفه «وزكرياء» مرفوع ممدود.

وروى أبو بكر عن عاصم: تشديد الفاء، ونصب «زكرياء» وكان يمد «زكرياء» في كل القرآن في رواية أبي بكر.

وروى حفص عن عاصم تشديد الفاء «وزكريا» مقصور في كل القرآن. وكان حمزه والكسائي يشددان «وكفلها» ويقصران «زكريا» في كل القرآن. فأما «زكريا» فقال الفراء: فيه ثلاث لغات. أهل الحجاز يقولون: هذا زكريا قد جاء مقصور، وزكرياء، ممدود واهل نجد يقولون: زكري فيجرونه، ويلقون الألف. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي، عن ابن دريد قال: زكريا اسم أعجمي، يقال: زكري وزكرياء ممدود وزكريا مقصور. وقال: غيره وزكري بتخفيف الياء، فمن قال: زكرياء بالمد، قال في التثنيه، زكرياوان، وفي الجمع زكرياوون، ومن قال: زكريا بالقصر، قال في التثنيه زكريان، كما تقول: مدنيان: ومن قال: زكري بتخفيف الياء، قال في التثنيه: زكريان الياء خفيفه وفي الجمع زكرون بطرح الياء. الاشارة إلى كفالة زكريا مريم قال السدي: انطلقت بها أمها في خرقها، وكانوا يقترعون على الذين يؤتون بهم، فقال زكريا وهو نبيهم يومئذ: انا أحقكم بها، عندي أختها، فأبوا، وخرجوا إلى نهر الأردن، فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها، فجرت الأقلام، وثبت قلم زكريا، فكفلها.

قال ابن عباس: كانوا سبعة وعشرين رجلا، فقالوا: نطرح أقلامنا، فمن صعد قلمه مغالبا للجرية فهو أحق بها، فصعد قلم زكريا، فعلى هذا القول كانت غلبة زكريا بمصاعدة قلمه، وعلى قول السدي بوقوفه في جريان الماء وقال مقاتل: كان يغلق عليها الباب، ومعه المفتاح، لا يأمن عليه أحدا، وكانت اذا حاضت، أخرجها إلى منزلة تكون مع أختها أم يحيى، فاذا طهرت ردها إلى بيت المقدس. والأكثرون على أنه كفلها منذ كانت طفلة بالقرعة. وقد ذهب قوم الى أنه كفلها عند طفولتها بغير قرعة، لأجل أن أمها ماتت، وكانت خالتها عنده، فلما بلغت، أدخلوها الكنيسة لنذر أمها، و إنما كان الاقتراع بعد ذلك بمدة لأجل سنة أصابتهم. فقال محمد بن إسحاق. كفلها زكريا إلى أن أصابت الناس سنة، فشكا زكريا إلى بني إسرائيل ضيق يده فقالوا: ونحن أيضا كذلك، فجعلوا يتدافعونها حتى اقترعوا، فخرج السهم على جريج النجار، وكان فقيرا، وكان يأتيها باليسير، فينمي، فدخل زكريا، فقال: ما هذا؟ على قدر نفقة جريج فمن اين هذا؟ قالت هو من عند اللّه. والصحيح ما عليه الأكثرون، و أن القوم تشاحوا على كفالتها، لأنها كانت بنت سيدهم وإمامهم عمران، كذلك قال قتادة في آخرين و أن زكريا ظهر عليهم بالقرعة منذ طفولتها. فأما المحراب فقال أبو عبيدة: المحراب سيد المجالس. ومقدمها، وأشرفها، وكذلك هو من المسجد. وقال الأصمعي: المحراب هاهنا: الغرفة. وقال الزجاج: المحراب في اللغة: الموضع العالي الشريف. قال الشاعر:

ربة محراب إذا جئتها  لم ألقها أو أرتقي سلما

قوله تعالى: {وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا} قال ابن عباس: ثمار الجنة، فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف وهذا قول الجماعة. قوله تعالى:

{أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا} أي: من اين؟ قال الربيع بن أنس:كان زكريا إذا خرج، أغلق عليها سبعة، أبواب فاذا دخل وجد عندها رزقا. وقال الحسن: لم ترتضع ثديا قط، وكان يأتيها رزقها من الجنة، فيقول زكريا: أنى لك هذا؟ فتقول: هو من عند اللّه، فتكلمت وهي صفيرة. وزعم مقاتل أن زكريا استأجر لها ظئرا، وعلى ما ذكرنا عن ابن إسحاق يكون قوله لها: أنى لك هذا لاستكثار ما يرى عندها وماعليه الجمهور أصح. والحساب في اللغة: التقتير والتضييق.

﴿ ٣٧