٧٣

قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ}

اختلف العلماء في توجيه هذه الآية على أربعة أقوال.

احدها: أن معناه: و لا تصدقوا إلا من تبع دينكم، ولا تصدقواأن يؤتى أحد مما أوتيتم من العلم، وفلق البحر، والمن، والسلوى، وغير ذلك، ولا تصدقوا أن يجادلوكم عند ربكم، لأنكم أصح دينا منهم، فيكون هذا كله من كلام اليهود بينهم، وتكون اللام في «لمن» صلة، ويكون قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللّه} كلاما معترضا بين كلامين، هذا معنى قول مجاهد، والأخفش.

والثاني: أن كلام اليهود تام عند قوله:

{لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} والباقي من قول اللّه تعالى، لا يعترضه شيء من قولهم، وتقديره: قل يا محمد: إن الهدى هدى اللّه أن يؤتى احد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد، إلا أن تجادلكم اليهود بالباطل، فيقولون: نحن أفضل منكم، هذا معنى قول الحسن، وسعيد بن جبير. قال الفراء: معنى: «أن يؤتى» أن لا يؤتى.

والثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: ولا تؤمنوا أن يؤتى احد مثل ما أوتيتم، إلا من تبع دينكم، فأخرت «أن» وهي مقدمة في النية على مذهب العرب في التقديم والتأخير، ودخلت اللام على جهة التوكيد، كقوله تعالى: {عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم} [النمل: ٧٢] أي ردفكم.

وقال الشاعر:

ما كنت أخدع للخليل بخلة حتى يكون لي الخليل خدوعا

أراد: ما كنت أخدع الخليل.

وقال الآخر:

يذمون الدنيا وهم يحلبونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعل

أراد: يذمون الدنيا، ذكره ابن الأنباري.

والرابع: أن اللام غير زائدة، والمعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاء به إلا لليهود، فانكم إن قلتم ذلك للمشركين، كان عونا لهم على تصديقه، قاله الزجاج. وقال ابن الأنباري: لا تؤمنوا أن محمدا وأصحابه على حق، إلالمن تبع دينكم، مخافة أن يطلع على عنادكم الحق، ويحاجوكم به عند ربكم. فعلى هذا يكون معنى الكلام: لا تقروا بأن يؤتى احد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، وقد ذكر هذا المعنى مكي بن أبي طالب النحوي.

وقرأ ابن كثير: أان يؤتى بهمزتين، الأولى مخففة، والثانية: ملينة على الاستفهام، مثل: أانتم أعلم. قال ابو علي: ووجهها «أن» أن في موضع رفع بالابتداء، وخبره: يصدقون به، أو يعترفون به، أو يذكرونه لغيركم، ويجوز أن يكون موضع «أن» نصبا، فيكون المعنى: أتشيعون، أو أتذكرون أن يؤتى احد، ومثله في المعنى: {أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللّه عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٧٦] وقرأ الأعمش، وطلحة بن مصرف: إن يؤتى، بكسر الهمزة، على معنى: ما يؤتى.

وفي قوله تعالى: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ} قولان.

احدهما: أن معناه: ولا تصدقوا انهم يحاجوكم عند ربكم، لأنهم لا حجة لهم، قاله قتادة.

والثاني: أن معناه: حتى يحاجوكم عند ربكم على طريق التعبد، كما يقال: لا يلقاه أو تقوم الساعة، قاله الكسائي.

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللّه} قال ابن عباس: يعني النبوة، والكتاب، والهدى.

{يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} لا ما تمنيتموه أنتم يا معشر اليهود من أنه لا يؤتى احد مثل ما أوتيتم.

﴿ ٧٣