|
٨٩ قوله تعالى: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللّه بِٱلَّلغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ} سبب نزولها: أنه لما نزل قوله: {لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللّه لَكُمْ} قال القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم: يا رسول اللّه كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فنزلت هذه الآية، رواه العوفي عن ابن عباس. وقد سبق ذكر «اللغو» في سورة {البقرة}. قوله تعالى: {بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلاْيْمَـٰنَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وابو عمرو، وحفص عن عاصم: «عقدتم» بغير ألف، مشددة القاف. قال ابو عمرو: معناها: وكدتم. وقرأ أبو بكر، والمفضل عن عاصم: «عقدتم» خفيفة بغير ألف، واختارها أبو عبيد. قال ابن جرير: معناها: أوجبتموها على أنفسكم. وقرأ ابن عامر «عاقدتم» بألف، مثل «عاهدتم» قال القاضي أبو يعلى: وهذه القراءة المشددة لا تحتمل إلا عقد قول. فأما المخففة، فتحتمل عقد القلب، وعقد القول. وذكر المفسرون في معنى الكلام قولين. احدهما: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم عليه قلوبكم في التعمد لليمين، قاله مجاهد. والثاني: بما عقدتم عليه قلوبكم أنه كذب، قاله سعيد بن جبير. قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ} قال ابن جرير: الهاء عائدة على «ما» في قوله: بما «عقدتم». فصل فأما إطعام المساكين، فروي عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، والحسن في آخرين: أن لكل مسكين مدبر، وبه قال مالك، والشافعي. وروي عن عمر، وعلي، وعائشة في آخرين: لكل مسكين نصف صاع من بر، قال عمر، وعائشة: أو صاعا من تمر، وبه قال أبو حنيفة. ومذهب أصحابنا في جميع الكفارات التي فيها إطعام، مثل كفارة اليمين، والظهار، وفدية الأذى، والمفرطة في قضاء رمضان، مدبرٍ، أو نصف صاع تمر أو شعير.ومن شرط صحة الكفارة، تمليك الطعام للفقراء، فان غداهم وعشاهم، لم يجزئه، وبه قال سعيد بن جبير، والحكم، والشافعي. وقال الثوري، والأوزاعي: يجزئه، وبه قال أبو حنيفة، ومالك. ولا يجوز صرف مدين إلى مسكين واحد، ولا إخراج القيمة في الكفارة، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجوز. قال الزجاج: وإنما وقع لفظ الذكير في المساكين، ولو كانوا إناثا لأجزأ، لأن المغلب في كلام العرب التذكير. وفي قوله: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} قولان. احدهما: من أوسطه في القدر، قاله عمر، وعلي، وابن عباس، ومجاهد. والثاني: من أوسط أجناس الطعام، قاله ابن عمر، والأسود، وعبيدة، والحسن، وابن سيرين. وروي عن ابن عباس قال: كان أهل المدينة [يقولون] للحر من القوت أكثر ما للمملوك، وللكبير أكثر ما للصغير، فنزلت {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} ليس بأفضله ولا بأخسه. وفي كسوتهم خمسة أقوال. احدها: أنها ثوب واحد، قاله ابن عباس، ومجاهد، وطاووس، وعطاء، والشافعي. والثاني: ثوبان، قاله أبو موسى الأشعري، وابن المسيب، والحسن، وابن سيرين، والضحاك. والثالث: إزار ورداء وقميص، قاله ابن عمر. والرابع: ثوب جامع كالملحفة، قاله إبراهيم النخعي. والخامس: كسوة تجزىء فيها الصلاة، قاله مالك. ومذهب أصحابنا: أنه إن كسا الرجل، كساه ثوبا، والمرأة ثوبين، درعا وخمارا، وهو أدنى ما تجزئ فيه الصلاة. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الجوزاء، ويحيى بن يعمر: «أو كسوتهم» بضم الكاف. وقد قرأ سعيد بن جبير، وأبو العالية، وأبو نهيك، ومعاذ القارىء: «أو كاسوتهم» بهمزة مكسورة، مفتوحة الكاف، مكسورة التاء والهاء، وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران الجوزي مثله، إلا إنهما فتحا الهمزة. قال المصنف: ولا أرى هذه القراءة جائزة، لأنها تسقط أصلا من أصول الكفارة. قوله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} تحريرها: عتقها، والمراد بالرقبة: جملة الشخص. واتفقوا على إشتراط إيمان الرقبة في كفارة القتل لموضع النص. واختلفوا في إيمان الرقبة المذكورة في هذه الكفارة على قولين. احدهما: أنه شرط، وبه قال الشافعي، لأن اللّه تعالى قيد بذكر الإيمان في كفارة القتل، فوجب حمل المطلق على المقيد. والثاني: ليس بشرط، وبه قال أبو حنيفة، وعن احمد رضي اللّه عنه في إيمان الرقبة المعتقة في كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الجماع، والمنذورة، روايتان. قوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ} اختلفوا فيما إذا لم يجده، صام، على خمسة أقوال. احدها: أنه إذا لم يجد درهمين صام، قاله الحسن. والثاني: ثلاثة دراهم، قاله سعيد بن جبير. والثالث: إذا لم يجد إلا قدر ما يكفر به صام، قاله قتادة. والرابع: مئتي درهم، قاله أبو حنيفة. والخامس: إذا لم يكن له إلا قدر قوته وقوت عائلته يومه وليلته، قاله احمد، والشافعي. وفي تتابع الثلاثة أيام، قولان. احدهما: أنه شرط، وكان أبي، وابن مسعود يقرآن: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وبه قال ابن عباس، ومجاهد، وطاووس، وعطاء، وقتادة، وأبو حنيفة، وهو قول أصحابنا. والثاني: ليس بشرط، ويجوز التفريق، وبه قال الحسن، ومالك. والشافعي فيه قولان. قوله تعالى: {ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} فيه إضمار تقديره: إذا حلفتم وحنثتم. وفي قوله: {وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ} ثلاثة أقوال. احدها: أقلوا منها، ويشهد له قوله: {وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللّه عُرْضَةً لاِيْمَـٰنِكُمْ} وأنشدوا: قليل الألايا حافظ ليمينه والثاني: احفظوا أنفسكم من الحنث فيها. والثالث: راعوها لكي تؤدوا الكفارة عند الحنث فيها. |
﴿ ٨٩ ﴾