١٠٩ قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِٱللّه جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ} في سبب نزولها قولان. احدهما: أنه لما نزل في الشعراء: {إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ ٱلسَّمَاء ءايَةً} قال المشركون: أنزلها علينا حتى واللّه نؤمن بها؛ فقال المسلمون: يا رسول اللّه، أنزلها عليهم لكي يؤمنوا؛ فنزلت هذه الآية؛ رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أن قريشا قالوا: يا محمد، تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر، فينفجر منها اثنتا عشرة عينا، وأن عيسى كان يحيي الموتى، وأن ثمود كانت لهم ناقة، فائتنا بمثل هذه الآيات حتى نصدقك: فقال: {أَىُّ شَىْء * تُحِبُّونَ} قالوا: أن تجعل لنا الصفا ذهبا. قال: {فَإِن فَعَلْتَ} فقالوا: نعم، واللّه لئن فعلت لنتبعنك أجمعين. فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو، فجاءه جبريل. فقال: إن شئت أصبح الصفا ذهبا، ولكني لم أرسل بآية فلم يصدق بها، إلا أنزلت العذاب، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: اتركهم حتى يتوب تائبهم. فنزلت هذه الآية إلى قوله: {أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ}، هذا قول محمد بن كعب القرظي. وقد ذكرنا معنى {جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ} في {المائدة}؛ وإنما حلفوا على ما اقترحوا من الآيات، كقولهم: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلاْرْضِ يَنْبُوعًا}. قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا ٱلاْيَـٰتُ عِندَ ٱللّه} أي: هو القادر على الإتيان بها دوني ودون أحد من خلقه. {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا} أي: يدريكم أنها. قرأ ابن كثير، وابو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وخلف في اختياره: بكسر الألف، فعلى هذه القراءة يكون الخطاب بقوله {يُشْعِرُكُمْ} للمشركين، ويكون تمام الكلام عند قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ويكون المعنى: وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت؟ وتكون {أَنَّهَا} مكسورة على الاستئناف والإخبار عن حالهم. وقال أبو علي: التقدير: وما يشعركم إيمانهم؟ فحذف المفعول. والمعنى: لو جاءت الآية التي اقترحوها، لم يؤمنوا.فعلى هذا يكون الخطاب للمؤمنين. قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا}؛ فقلت: ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك في هذا الموضع؛ إنما قال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ثم ابتدأ فأوجب، فقال: {أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ}؛ ولو قال: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ}؛ كان ذلك عذرا لهم. وقرأ نافع، وحفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي: {أَنَّهَا} بفتح الألف؛ فعلى هذا، المخاطب بقوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه؛ ثم في معنى الكلام قولان. احدهما: وما يدريكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وفي قراءة أبي: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. والعرب تجعل {ءانٍ} بمعنى {لَعَلَّ} يقولون: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا، أي: لعلك. قال عدي بن زيد: أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى غد ي: لعل منيتي. وإلى هذا المعنى ذهب الخليل، وسيبويه، والفراء في توجيه هذه القراءة. والثاني: أن المعنى: وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون، وتكون {لا} صلة كقوله: تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدُواْ * إِذْ أَمَرْتُكَ} وقوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} ذكره الفراء، ورده الزجاج واختار الأول. والأكثرون على قراءة {يُؤْمِنُونَ} بالياء، منهم ابن كثير، ونافع، وابو عمرو، والكسائي، وحفص عن عاصم؛ وقرأ ابن عامر، وحمزة: {بالتاء}، على الخطاب للمشركين. قال أبو علي: من قرأ بالياء، فلأن الذين أقسموا غُيَّبٌ، ومن قرأ {بالتاء}، فهو انصراف من الغيبة إلى الخطاب. |
﴿ ١٠٩ ﴾