|
١٠٧ قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِدًا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {وَٱلَّذِينَ} بواو. وكذلك هي في مصاحفهم. وقرأ نافع، وابن عامر: {ٱلَّذِينَ} بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام. قال أبو علي: من قرأ بالواو، فهو معطوف على ما قبله نحو قوله: {وَمِنْهُمْ مَّنْ عَـٰهَدَ ٱللّه} {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ} {وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِىَّ} والمعنى: ومنهم الذين اتخذوا مسجدا. ومن حذف الواو فعلى وجهين. احدهما: أن يضمر ـ ومنهم الذين اتخذوا ـ كقوله: أكفرتم، المعنى: فيقال لهم: أكفرتم. والثاني: أن يضمر الخبر بعد، كما أضمر في قوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللّه وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} المعنى: ينتقم منهم ويعذبون. قال أهل التفسير: لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء، وبعثوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتاهم، فصلى فيه، حسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف، وكانوا من منافقي الأنصار، فقالوا: نبني مسجدا، ونرسل إلى رسول اللّه فيصلي فيه، ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام؛ وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، عاداه، فخرج إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين أن أعدوا من استطعتم من قوة وسلاح، وابنوا لي مسجدا، فاني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأخرج محمدا وأصحابه، فبنوا هذا المسجد، إلى جنب مسجد قباء، وكان الذين بنوه اثني عشر: رجلا خذام بن خالد ومن داره أخرج المسجد، ونبتل بن الحارث، وبجاد بن عثمان، وثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وعباد بن حنيف، ووديعة بن ثابت، وأبو حبيبة بن الأزعر، وجارية بن عامر، وابناه يزيد ومجمع، وكان مجمع إمامهم فيه، ثم صلحت حاله، وبحزج جد عبد اللّه بن حنيف، وهو الذي قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {مَا أَرَدْتُّ بِمَا أَرَىٰ} فقال: واللّه ما أردت إلا الحسنى، وهو كاذب.وقال مقاتل: الذي حلف مجمع. وقيل: كانوا سبعة عشر، فلما فرغوا منه، أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: إنا قد ابتنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي فيه، فدعى بقميصه ليلبسه، فنزل عليه القرآن وأخبره اللّه خبرهم، فدعا معن بن عدي، ومالك بن الدخشم في آخرين، وقال: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدموه وأحرقوه، وأمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف. ومات أبو عامر بالشام وحيدا غريبا. فأما التفسير: فقال الزجاج: {ٱلَّذِينَ} في موضع رفع، المعنى: ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا. و{ضِرَارًا} انتصب مفعولا له، المعنى: اتخذوه للضرار والكفر والتفريق والإرصاد. فلما حذفت اللام، أفضى الفعل، فنصب. قال المفسرون: والضرار: بمعنى المضارة لمسجد قباء، {وَكُفْراً} باللّه ورسوله {وَتَفْرِيقًا بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} لأنهم كانوا يصلون في مسجد قباء جميعا، فأرادوا تفريق جماعتهم، والإرصاد: الانتظار، فانتظروا به مجيء أبي عامر، وهو الذي حارب اللّه ورسوله من قبل بناء مسجد الضرار. {وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا} أي: ما أردنا {إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ} أي: ما أردنا بابتنائه إلا الحسنى؛ وفيها ثلاثة أوجه. احدها: طاعة اللّه. والثاني: الجنة. والثالث: فعل التي هي أحسن من إقامة الدين والاجتماع للصلاة. وقد ذكرنا اسم الحالف. |
﴿ ١٠٧ ﴾