٢٣

قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ} أي: اللّه الذي هو أسرع مكرا، هو الذي يسيركم

{فِى ٱلْبَرّ} على الدواب، وفي البحر على السفن، فلو شاء انتقم منكم في البر أو في البحر. وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر: «ينشركم» بالنون والشين من النشر، وهو في المعنى مثل قوله: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً} [النساء ٢] والفلك: السفن. قال الفراء: الفلك تذكر وتؤنث، وتكون واحدة وتكون جمعا، قال تعالى هاهنا:

{جَاءتْهَا} فأنث، وقال في {يس} {فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ} فذكر. قوله تعالى:

{وَجَرَيْنَ بِهِم} عاد بعد المخاطبة لهم إلى الإخبار عنهم. قال الزجاج: كل من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز أن يرده إلى الغائب،

قال الشاعر:

شطت مزار العاشقين فأصبحت  عسرا علي طلابك ابنة مخرم

قوله تعالى: {بِرِيحٍ طَيّبَةٍ} أي: لينة. {وَفَرِحُواْ بِهَا} للينها. {جَاءتْهَا} يعني الفلك. قال الفراء: وإن شئت جعلتها للريح، كأنك قلت: جاءت الريح الطيبة ريح عاصف، والعرب تقول: عاصف وعاصفة، وقد عصفت الريح وأعصفت، والألف لغة لبني أسد. قال ابن عباس: الريح العاصف: الشديدة. قال الزجاج: يقال: عصفت الريح، فهي عاصف وعاصفة، وأعصفت، فهي معصف ومعصفة.

{وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ} أي: من كل أمكنة الموج. قوله تعالى:

{وَظَنُّواْ} فيه قولان.

احدهما: أنه بمعنى اليقين.

والثاني: أنه التوهم. وفي قوله: {أُحِيطَ بِهِمْ} قولان.

احدهما: دنوا من الهلكة.قال ابن قتيبة: وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد فقد دنا أهله من الهلكة. وقال الزجاج: يقال لكل من وقع في بلاء: قد أحيط بفلان، أي: أحاط به البلاء.

والثاني: أحاطت بهم الملائكة، ذكره الزجاج. قوله تعالى:

{دَعَوُاْ ٱللّه مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ} دون أوثانهم. قال ابن عباس: تركوا الشرك، وأخلصوا للّه الربوبية، وقالوا:

{لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ} الريح العاصف

{لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} أي: الموحدين. قوله تعالى:

{يَبْغُونَ فِى ٱلاْرْضِ} البغي: الترامي في الفساد. قال الأصمعي: يقال: بغى الجرح: إذا ترامى إلى فساد. قال ابن عباس: يبغون في الأرض بالدعاء إلى عبادة غير اللّه والعمل بالمعاصي والفساد. {يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ} يعني أهل مكة.

{إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ} أي: جناية مظالمكم بينكم على أنفسكم. وقال الزجاج: عملكم بالظلم عليكم يرجع. قوله تعالى:

{مَتَـٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} قرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وحفص، وأبان عن عاصم: «متاع الحياة الدنيا» بنصب المتاع. قال الزجاج: من رفع المتاع، فالمعنى أن ما تنالونه بهذا البغي إنما تنتفعون به في الدنيا، ومن نصب المتاع، فعلى المصدر. فالمعنى: تمتعون متاع الحياة الدنيا. وقرأ أبو المتوكل، واليزيدي في اختياره، وهارون العتكي عن عاصم: «متاع الحياة» بكسر العين. قال ابن عباس: «متاع الحياة الدنيا» أي: منفعة في الدنيا.

﴿ ٢٣