٦

قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ} فيه قولان:

احدهما: أخبرناهم، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثاني: قضينا عليهم، رواه العوفي عن ابن عباس. وبه قال قتادة، فعلى الأول: تكون «إلى» على أصلها، ويكون الكتاب: التوراة، وعلى الثاني: تكون «إلى» بمعنى «على»، ويكون الكتاب الذِّكْر الأول. قوله تعالى:

{لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلاْرْضِ} يعني: أرض مصر {مَّرَّتَيْنِ} بالمعاصي ومخالفة التوراة.

وفي مَنْ قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان.

احدهما: زكريا، قاله السدي عن أشياخه.

والثاني: شَعْيَا، قاله ابن إسحاق. فأما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني: فهو يحيى بن زكريا. قال مقاتل: كان بين الفسادين مائتا سنة وعشر سنين. فأما السبب في قتلهم زكريا، فإنهم اتهموه بمريم، وقالوا: منه حملت، فهرب منهم، فانفتحت له شجرة فدخل فيها وبقي من ردائه هدب، فجاءهم الشيطان فدلَّهم عليه، فقطعوا الشجرة بالمنشار وهو فيها. وأما السبب في قتلهم «شَعْيا» فهو أنه قام فيهم برسالة من اللّه ينهاهم عن المعاصي.

وقيل: هو الذي هرب منهم فدخل في الشجرة حتى قطعوه بالمنشار، وإن زكريا مات حتف أنفه،

وأما السبب في قتلهم يحيى بن زكريا، ففيه قولان.

احدهما: أن ملكهم أراد نكاح امرأة لا تحل له، فنهاه عنها يحيى. ثم فيها أربعة أقوال.

احدها: أنها ابنة أخيه، قاله ابن عباس.

والثاني: ابنته، قاله عبد اللّه بن الزبير.

والثالث: أنها امرأة أخيه، وكان ذلك، لا يصلح عندهم، قاله الحسين بن علي عليهما السلام.

والرابع: ابنة أمرأته، قاله السدي عن أشياخه، وذكر أن السبب في ذلك: أن ملك بني إسرائيل هوي بنت امرأته، فسأل يحيى عن نكاحها، فنهاه، فحنقت أمها على يحيى حين نهاه أن يتزوج ابنتها، وعمدت الى ابنتها فزينتها وأرسلتها إلى الملك حين جلس على شرابه،وأمرتْها أن تسقيَه، وأن تعرض له، فإِن أَرادها على نفسها، أَبت حتى يؤتى برأس يحيى بن زكريا في طَسْت، ففعلت ذلك، فقال: ويحك سليني غير هذا، فقالت: ما أريد إلا هذا، فأمر، فأتي برأسه والرأس يتكلم ويقول: لا تحل لك، لا تحل لك.

والقول الثاني: أن امرأة الملك رأت يحيى عليه السلام وكان قد أُعطي حسناً وجمالاً، فأرادته على نفسه، فأبى، فقالت لابنتها: سلي أَباك رأس يحيى، فأعطاها ما سألت، قاله الربيع بن أُنس. قال العلماء بالسِّيَر: ما زال دم يحيى يغلي حتى قتل عليه من بني اسرائيل سبعون ألفا، فسكن، وقيل: لم يسكن حتى جاء قاتله، فقال: أنا قتلته، فقُتِل، فسكن. قوله تعالى:

{وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} أي: لَتَعَظَّمُنَّ عن الطاعة وَلَتَبْغُنَّ. قوله تعالى:

{فَإِذَا جَآء وَعْدُ أُولَـٰهُمَا} أي: عقوبة أُولى المرَّتين {بَعَثْنَا} أي: أرسلنا

عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا} وفيهم خمسة اقوال.

احدها: أنهم جالوت وجنوده، قاله ابن عباس، وقتادة.

والثاني: «بُخْتَنَصَّر»، قاله سعيد بن المسيب، واختاره الفراء، والزجاج.

والثالث: العمالقة، وكانوا كفاراً، قاله الحسن.

والرابع: سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.

والخامس: قوم من أهل فارس، قاله مجاهد. وقال ابن زيد: سلط [اللّه] عليهم سابور ذا الأكتاف من ملوك فارس.

قوله تعالى: {أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي: ذوي عدد وقوة في القتال.

وفي قوله: {فَجَاسُواْ خِلَـٰلَ ٱلدّيَارِ} ثلاثة اقوال.

احدها: مشَوا بين منازلهم، قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: يتجسسون أخبارهم، ولم يكن قتال. وقال الزجاج: طافوا خلال الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه؟ و«الجوس»: طلب الشيء باستقصاء.

والثاني: قتلوهم بين بيوتهم، قاله الفراء، وأبو عبيدة.

والثالث: عاثوا وأفسدوا، يقال: جاسوا وحاسوا، فهم يجوسون ويحوسون إذا فعلوا ذلك، قاله ابن قتيبة. فأما الخلال: فهي جمع خَلَل، وهو الانفراج بين الشيئين. وقرأ أبو رزين، والحسن، وابن جبير، وأبو المتوكل: «خَلَل الديار» بفتح الخاء واللام من غير ألف.

{وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً} أي: لا بد من كونه. قوله تعالى:

{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} أي: أظفرناكم بهم. والكَرَّة، معناها: الرجعة والدُّولة، وذلك حين قتل داودُ جالوتَ وعاد ملكهم إليهم. وحكى الفراء أن رجلاً دعا على «بختنصر»،فقتله اللّه، وعاد ملكهم اليهم.

وقيل: غزَوا ملك بابل فأخذوا ما كان في يده من المال والأسرى. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} أي: أكثر عدداً وأنصاراً منهم، قال ابن قتيبة: النَّفير والنافر واحد، كما يقال: قدير وقادر، واصله: مَنْ يَنْفِر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته.

﴿ ٦