|
٦ قوله تعالى: {ٱلْحَمْدُ للّه} قد شرحناه في أول الفاتحة. والمراد بعبده هاهنا: محمد صلى اللّه عليه وسلم، وبالكتاب: القرآن، تمدّح بإنزاله، لأنه إنعام على الرسول خاصة، وعلى الناس عامة. قال العلماء باللغة والتفسير: في هذه الآية تقديم وتأخير، تقديرها: أنزل على عبده الكتاب {قَيِّماً} أي: مستقيما عدلا. وقرأ أبو رجاء، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن يعمر، والنخعي، والأعمش: قِيما بكسر القاف، وفتح الياء، وقد فسرناه في [الأنعام: ١٦١]. قوله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} أي: لم يجعل فيه اختلافا، وقد سبق بيان العوج في [آل عمران: ٩٩]. قوله تعالى: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أي: عذابا شديداً، {مِن لَّدُنْهُ} أي: من عنده، ومن قبله، والمعنى: لينذر الكافرين {وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ * يَعْلَمُونَ * ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ} أي: بأن لهم {أَجْرًا حَسَنًا} وهو الجنة. {مَّاكِثِينَ} أي:مقيمين، وهو منصوب على الحال. {وَيُنْذِرَ} بعذاب اللّه {ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللّه وَلَدًا} وهم اليهود حين قالوا: عزير ابن اللّه، والنصارى حين قالوا: المسيح ابن اللّه، والمشركون حين قالوا: الملائكة بنات اللّه، {مَا لَهُمْ بِهِ} أي: بذلك القول {مِنْ عِلْمٍ} لأنهم قالوا: أفترى على اللّه، {وَلاَ لائَبَائِهِمْ} الذين قالوا ذلك، {كَبُرَتْ} أي: عظمت {كَلِمَةَ} الجمهور على النصب. وقرأ ابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وأبو رزين، وأبو رجاء، ويحيى بن يعمر، وابن محيصن، وابن أبي عبلة: كلمةٌ بالرفع. قال الفراء: من نصب،أضمر: كبرت تلك الكلمة كلمة، ومن رفع لم يضمر شيئا، كما تقول: عظم قولك. وقال الزجاج: من نصب، فالمعنى: كبرت مقالتهم: اتخذ اللّه ولدا كلمة، وكلمة منصوب على التمييز. ومن رفع، فالمعنى: عظمت كلمة هي قولهم: اتخذ اللّه ولداً. قوله تعالى: {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} أي: إنها قول بالفم لا صحة لها، ولا دليل عليها، {إِن يَقُولُونَ} أي: ما يقولون {إِلاَّ كَذِبًا}. ثم عاتبه على حزنه لفوت ما كان يرجو من إسلامهم، فقال: {فَلَعَلَّكَ بَـٰخِعٌ نَّفْسَكَ} وقرأ سعيد ابن جبير، وأبو الجوزاء، وقتادة: باخع نفسك بكسر السين، على الإضافة. قال المفسرون واللغويون: فلعلك مهلك نفسك، وقاتل نفسك، وأنشد أبو عبيدة لذي الرمة: ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادرأي: نحته فإن قيل: كيف قال: {فَلَعَلَّكَ} والغالب عليها الشك، واللّه عالم بالأشياء قبل كونها؟ فالجواب: أنها ليست بشك، إنما هي مقدرة تقدير الاستفهام الذي يعني به التقرير، فالمعنى: هل أنت قاتل نفسك؟ٰ لا ينبغي أن يطول أساك على إعراضهم، فإن من حكمنا عليه بالشقوة لا تجدي عليه الحسرة، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى: {عَلَىٰ ءاثَـٰرِهِمْ} أي: من بعد توليهم عنك {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ} يعني: القرآن {أَسَفاً} وفيه أربعة أقوال. احدها: حزنا، قاله ابن عباس، وابن قتيبة. والثاني: جزعا، قاله مجاهد. والثالث: غضبا، قاله قتادة. والرابع: ندما، قاله السدي. وقال أبو عبيدة: ندما وتلهفا وأسى. قال الزجاج: الأسف: المبالغة في الحزن، أو الغضب، يقال: قد أسف الرجل، فهو أسيف، قال الشاعر: أرى رجلا منهم أسيفا كأنهما يضم إلى كشحيه كفا مخضبا وهذه الآية يشير بها إلى نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن كثرة الحرص على إيمان قومه لئلا يؤدي ذلك إلى هلاك نفسه بالأسف. |
﴿ ٦ ﴾