| ١١ وهي مكية بإجماعهم من غير خلاف نعلمه. قوله عز وجل: {ٱقْتَرَبَ} افتعل، من القرب، يقال: قرب الشيء واقترب. وهذه الآية نزلت في كفار مكة. وقال الزجاج: اقترب للناس وقت حسابهم. وقيل: اللام في قوله: {لِلنَّاسِ} بمعنى: من والمراد بالحساب: محاسبة اللّه لهم على أعمالهم. وفي معنى قربه قولان. احدهما: أنه آت، وكل آت قريب. والثاني: لأن الزمان ـ لكثرة ما مضى وقله. ما بقي ـ قريب. قوله تعالى: {وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ} أي: عما يفعل اللّه بهم ذلك اليوم {مُّعْرِضُونَ} عن التأهب له. وقيل: اقترب للناس عام، والغفلة والإعراض خاص في الكفار، بدلالة قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ}، وفي هذا الذكر ثلاثة أقوال. احدها: أنه القرآن، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا تكون الإشارة بقوله: محدث إلى إنزاله له، لأنه أنزل شيئا بعد شيء. والثاني: أنه ذكر من الأذكار، وليس بالقرآن، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذكر من رسول، اللّه وليس بالقرآن. والثالث: أنه رسول اللّه، بدليل قوله في سياق الآية:{هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ}، قاله الحسن بن الفضل. قوله تعالى: {إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} قال ابن عباس: يستمعون القرآن مستهزئين. قوله تعالى: {لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي: غافلة عما يراد بهم. قال الزجاج: المعنى: إلا استمعوه لاعبين لاهية قلوبهم؛ ويجوز أن يكون منصوباً بقوله: يلعبون.وقرأ عكرمة، وسعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: لاهية بالرفع. قوله تعالى: {وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ} أي: تناجوا فيما بينهم، يعني المشركين. ثم بين من هم فقال: {ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي: أشركوا باللّه. والذين في موضع رفع على البدل من الضمير في وأسروا. ثم بين سرهم الذي تناجوا به فقال: {هَلْ هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي: آدمي، فليس بملك؛ وهذا إنكار لنبوته. وبعضهم يقول: أسروا هاهنا بمعنى: أظهروا، لأنه من الأضداد. قوله تعالى: {أَفَتَأْتُونَ ٱلسّحْرَ} أي: أفتقبلون السحر {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه سحر؟ٰ يعنون أنه متابعة محمد صلى اللّه عليه وسلم متابعة السحر. {قُل رَّبّى} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: قل ربي. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: قال ربي، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين، وهذا على الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: يعلم القول، أي: لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض، فهو عالم بما أسررتم. {بَلْ قَالُواْ} قال الفراء: رد ب بل على معنى تكذيبهم، وإن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه الأخبار عن الجاحدين، وأعلم أن المشركين كانوا قد تحيروا في أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاختلفت أقوالهم فيه، فبعضهم يقول: هذا الذي يأتي به سحر، وبعضهم يقول: أضغاث أحلام، وهي الأشياء المختلطة ترى في المنام؛ وقد شرحناها في [يوسف: ٤٤]، وبعضهم يقول: افتراه، أي: اختلقه، وبعضهم يقول: هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا، فاقترحوا الآيات التي لا إمهال بعدها. قوله تعالى: {مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ} يعني: مشركي مكة {مِن قَرْيَةٍ} وصف القرية، والمراد أهلها، والمعنى: أن الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات، لم يؤمنوا بالاۤيات لما أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟ٰ وهذه إشارة إلى أن الآية لا تكون سبباً للإيمان، إلا أن يشاء اللّه. قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً} هذا جواب قولهم: هل هذا الا بشر مثلكم. قوله تعالى:{نُّوحِى إِلَيْهِمْ} قرأ الاكثرون: يوحى بالياء. وروى حفص عن عاصم: نوحي بالنون. وقد شرحنا هذه الآية في [النحل: ٤٣]. قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَـٰهُمْ} يعني الرسل {جَسَداً} قال الفراء: لم يقل: أجساداً، لأنه اسم الجنس. قال مجاهد: وما جعلناهم جسدا ليس فيهم روح. قال ابن قتيبة: ما جعلنا الانبياء قبله أجسادا لا تأكل الطعام لا تموت فنجعله كذلك. قال المبرد وثعلب جميعا: العرب إذا جاءت بين الكلام بجحدين، كان الكلام إخبارا، فمعنى الآية: إنما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطعام. قال قتادة: المعنى: وما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام. قوله تعالى: {ثُمَّ صَدَقْنَـٰهُمُ ٱلْوَعْدَ} يعني: الأنبياء أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك مكذبيهم {فَأَنجَيْنَـٰهُمْ وَمَن نَّشَاء} وهم الذين صدقوهم {وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ} يعني: أهل الشرك؛ وهذا تخويف لأهل مكة ثم ذكر منته عليهم بالقرآن فقال: {لَقَدِ أَنزَلْنَـٰهُ * إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ}، وفيه ثلاثة أقوال. احدها: فيه شرفكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: فيه دينكم، قاله الحسن، يعني: فيه ما تحتاجون إليه من أمر دينكم. والثالث: فيه تذكرة لكم لما تلقونه من رجعة أو عذاب، قاله الزجاج. قوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ما فضلتكم به على غيركم. | 
﴿ ١١ ﴾