٤

فصل في نزولها روى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية كلها، غير آيتين نزلتا بالمدينة: قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللّه عَلَىٰ حَرْفٍ} والتي تليها [الحج: ١٣،١٢] وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنها مدنية إلا أربع آيات نزلت بمكة، وهي قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ} الى آخر الاربع [الحج: ٥٧-٥٣] وقال عطاء بن يسار: نزلت بمكة الا ثلاثة آيات منها نزلت بالمدينة: {هَـٰذَانِ خَصْمَانِ} واللتان بعدها [الحج: ٢٢،٢٠] وقال أبو سليمان الدمشقي: أولها مدني الى قوله تعالى: {وَبَشّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ} [الحج:٣٨] وسائرها مكي. وقال الثعلبي: هي مكية غير ست آيات نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: {هَـٰذَانِ خَصْمَانِ} إلى قوله تعالى: {ٱلْحَمِيدِ} [الحج: ٢٥،٢٠]. وقال هبة اللّه بن سلامة: هي من أعاجيب سور القرآن، لأن فيها مكيا، ومدنيا، وحضريا، وسفريا، وحربيا، وسلميا، وليليا، ونهاريا، وناسخا، ومنسوخا.فأما المكي، فمن رأس الثلاثين منها إلى آخرها. وأماالمدني، فمن رأس خمس وعشرين إلى رأس ثلاثين. وأما الليلي، فمن أولها الى آخر خمس آيات. وأما النهاري، فمن رأس خمس آيات إلى رأس تسع. وأما السفري، فمن رأس تسع إلى اثنتي عشرة. وأما الحضري، فإلى رأس العشرين منها، نسب إلى المدينة، لقرب مدته.

قوله تعالى: {ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ} أي: احذروا عقابة {إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ} الزلزلة: الحركة على الحالة الهائلة. وفي وقت هذه الزلزلة قولان.

احدهما: أنها يوم القيامة بعد النشور. روى عمران بن حصين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ: إن زلزلة الساعة شيء عظيم وقال:تدرون أي يوم ذلك؟ فأنه يوم ينادي الرب عز وجل آدم عليه السلام: ابعث بعثا إلى النار، فذكر الحديث.

وروى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يقول اللّه تعالى يوم القيامة لآدم: قم، فابعث بعث النار، فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار، فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها، وقرأ الآية. وقال ابن عباس: زلزلة الساعة: قيامها يعني أنها تقارب قيام الساعة، وتكون معها. وقال الحسن، والسدي: هذه الزلزلة تكون يوم القيامة.

والثاني: أنها تكون في الدنيا قبل القيامة، وهي من أشراط الساعة، قاله علقمة، والشعبي، وابن جريج.

وروى أبو العالية عن أبي بن كعب، قال ست آيات قبل القيامة، بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت، واضطربت، ففزع الجن الى الإنس، والإنس إلى الجن، واختلطت الدواب، والطير، والوحش، فماج بعضهم في بعض، فقالت الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحور، فإذا هي نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض إلى الأرض السابعة، والسماء إلى السماء السابعة، فينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فماتوا. وقال مقاتل: هذه الزلزلة قبل النفخة الأولى، وذلك أن مناديا ينادي من السماء: ياأيها الناس أتى أمر اللّه، فيفزعون فزعا شديدا فيشيب الصغير، وتضع الحوامل.

قوله تعالى: {شَىْء عَظِيمٌ} أي: لا يوصف لعظمه.

قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يعني: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} فيه قولان.

احدهما: تسلو عن ولدها، وتتركه، قاله ابن قتيبة.

والثاني: تشغل عنه، قاله قطرب، ومنه قول ابن رواحة: ويذهل الخليل عن خليله وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة: تذهل برفع التاء وكسر الهاء كل بنصب اللام. قال الأخفش: وإنما قال: مرضعة، لأنه أراد ـ واللّه أعلم ـ الفعل، ولو أراد الصفة فيما نرى، لقال: مرضع.

قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام، وهذا يدل على أن الزلزلة تكون في الدنيا، لأن بعد البعث لا تكون حبلى.

قوله تعالى: {وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ} وقرأ عكرمة، والضحاك، وابن يعمر، وترى بضم التاء.

ومعنى سكارى: من شدة الخوف {وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ} من الشراب، والمعنى: ترى الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم، لشدة ما يمر بهم، يضطربون اضطراب السكران من الشراب. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: سكرى وما هم بسكرى وهي قراءة ابن مسعود. قال الفراء: وهو وجه جيد، لأنه بمنزله الهلكى والجرحى. وقرأ عكرمة، والضحاك، وابن السميفع سكارى وما هم بسكارى بفتح السين والراء وإثبات الألف،

{وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللّه شَدِيدٌ} فيه دليل على أن سكرهم من خوف عذابه.

قوله تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللّه}

قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث. وفيما جادل فيه ثلاثة أقوال.

احدها: أنه كان كلما نزل شيء من القرآن كذب به، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه زعم أن الملائكة بنات اللّه، قاله مقاتل.

والثالث: أنه قال لا يقدر اللّه على إحياء الموتى، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي: إنما يقوله باغواء الشيطان، لا بعلم {وَيَتَّبِعْ} ما يسول له كل {شَيْطَـٰنٍ مَّرِيدٍ} وقد ذكرنا معنى المريد في سورة [النساء: ١١٧].

قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} كتب بمعنى: قضي. والهاء في عليه وفي تولاه كناية عن الشيطان. ومعنى الآية: قضي على الشيطان أنه يضل من اتبعه. وقرأ أبو عمران الجوني: كتب بفتح الكاف أنه بفتح الهمزة فإنه بكسر الهمزة.

وقرأ أبو مجلز، وأبو العالية، وابن أبي ليلى، والضحاك، وابن يعمر: إنه فانه بكسر الهمزة فيهما. وقد بينا معنى السعير في سورة [النساء: ١٠].

﴿ ٤