٢٠

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ جَاءوا بِٱلإفْكِ} أجمع المفسرون أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها. نزلت في قصة عائشة، وفي حديث الإفك أن هذه الآية إلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة. وقد ذكرنا حديث الإفك في كتاب الحدائق وفي كتاب المغني في التفسير فلم نطل بذكره، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب، ليحفظ فأما الإفك فهو الكذب والعصبة: الجماعة، ومعنى قوله: {مّنكُمْ} أي: من المؤمنين. وروى عروة عن عائشة أنها قالت: هم أربعة حسان بن ثابت وعبد اللّه بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وكذلك عدهم مقاتل.

قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ}

قال المفسرون: هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطل،

وقيل: لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعائشة. والمعنى: إنكم تؤجرون فيه. {لِكُلّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ} يعني: من العصبة الكاذبة

{مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإثْمِ} أي جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه، {وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ} وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وعكرمة، ومجاهد وابن أبي عبلة، والحسن، ومحبوب عن أبي عمرو، ويعقوب: {كِبْرَهُ} بضم الكاف. قال الكسائي: وهما لغتان. وقال ابن قتيبة: كِبْر الشيء: معظمه، ومنه هذه الآية. قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة: تنام عن كبر شأنها فإذا  قامت رويدا تكاد تنعرف وفي المتولي لذلك قولان.

احدهما: أنه عبد اللّه بن أبي، رواه أبو صالح عن ابن عباس وعروة عن عائشة، وبه قال مجاهد والسدي ومقاتل.

قال المفسرون: هو الذي أشاع الحديث فله عذاب عظيم بالنار، وقال الضحاك: هو الذي بدأ بذلك.

والثاني: أنه حسان، روى الشعبي: أن عائشة قالت: ما سمعت أحسن من شعر حسان وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة، فقيل: يا أم المؤمنين، أليس اللّه يقول: {وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فقالت: أليس قد ذهب بصره؟

وروى عنها مسروق أنها قالت: وأي عذاب أشد من العمى، ولعل اللّه أن يجعل ذلك العذاب العظيم، ذهاب بصره، تعني: حسان بن ثابت.ثم إن اللّه عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله تعالى: {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي: هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة

{ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ} من العصبة الكاذبة وهم حسان ومسطح

{وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ} وهي حمنة بنت جحش {بِأَنفُسِهِمْ} وفيها ثلاثة أقوال.

احدها: بأمهاتهم.

والثاني: بأخواتهم.

والثالث: بأهل دينهم، لان المؤمنين كنفس واحدة،

{وَقَالُواْ هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} أي: كذب بيِّن. وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة فقال: هذا إفك مبين، أكنت يا أماه فاعلته قالت: معاذ اللّه قال: فعائشة واللّه خير منك فنزلت هذه الآية.

قوله تعالى: {لَوْلاَ} أي: هلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم عائشة {يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء} وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري: بأربعة منونة؛ والمعنى: يشهدون بأنهم عاينوا ما رموها به،

{فَإِذَا لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَـئِكَ عِندَ ٱللّه} أي:في حكمه هم الكاذبون ثم ذكر القاذفين فقال:

{وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} أي: لولا ما من اللّه به عليكم

{لَمَسَّكُمْ} أي: لأصابكم {فِيمَا أَفَضْتُمْ} أي: أخذتم وخضتم {فِيهِ} من الكذب والقذف {عَذَابٌ عظِيمٌ} في الدنيا والآخرة. ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله لأصابهم فيه العذاب فقال: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} وكان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا، فيتلقاه بعضهم من بعض. وقرأ عمر بن الخطاب: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} بتاء واحدة خفيفة مرفوعة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مرفوعة خفيفة. وقرأ معاوية وابن السميفع مثله، إلا أنهما فتحا التاء والقاف. وقرأ ابن مسعود {تَتَلَقَّونه} بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف. وقرأ أبي بن كعب، وعائشة، ومجاهد، وأبو حيوة: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ} بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف. وقال الزجاج: تُلْقونه يلقيه بعضكم إلى بعض وتلقونه؛ ومعناه: إذ تسرعون بالكذب، يقال: ولق يلق: إذا أسرع في الكذب وغيره، قال الشاعر:

جاءَتْ به عَنْسٌ من الشَّامْ تلق

أي: تسرع، وقال ابن قتيبة: {تَلَقَّوْنَهُ} أي: تقبلونه، ومن قرأ: {تَلَقَّوْنَهُ} أخذه من الولق، وهو الكذب.

قوله تعالى: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوٰهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} أي: من غير أن تعلموا أنه حق، وتحسبونه، يعني ذلك القذف {هَيّناً} أي: سهلا لا إثم فيه، وهو عند اللّه عظيم في الوزر، ثم زاد عليهم في الإنكار فقال:

{وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا} أي: ما يحل وما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا سبحانك، وهو يحتمل التنزيه والتعجب. وروت عائشة أن امرأة أبي أيوب الأنصاري قالت له: ألم تسمع ما يتحدث الناس؟ فقال:

{مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا} الآية فنزلت الآية. وقد روينا آنفا أن أمه ذكرت له ذلك، فنزلت الآية المتقدمة.

وروي عن سعيد بن جبير: أن سعد بن معاذ لما سمع ذلك قال: سبحانك هذا بهتان عظيم. فقيل للناس: هلا قلتم كما قال سعد.

قوله تعالى: {يَعِظُكُمُ ٱللّه} أي: ينهاكم اللّه أن تعودوا لمثله أي: إلى مثله إن كنتم مؤمنين، لأن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة،

{وَيُبَيّنُ ٱللّه لَكُمُ ٱلاْيَـٰتِ} في الأمر والنهى. ثم هدد القاذفين بقوله:

{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ} أي:يحبون أن يفشو القذف بالفاحشة وهي الزنا {إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ} يعني: الجلد

{وَٱلاْخِرَةِ} عذاب النار وروت عمرة عن عائشة قالت: لما نزل عذري، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم، وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جلد عبد اللّه بن ابي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، فأما الثلاثة فتابوا وأما عبد اللّه فمات منافقا. وبعض العلماء ينكر صحة هذا ويقول لم يضرب أحدا.

قوله تعالى: {وَٱللّه يَعْلَمُ} شر ما خضتم فيه وما يتضمن من سخط اللّه

{وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ذلك {وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللّه عَلَيْكُمْ} جوابه محذوف تقديره لعاقبكم فيما قلتم لعائشة. قال ابن عباس يريد مسطحا وحسان وحمنة.

﴿ ٢٠