|
٢٨ قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا} أي: من مصر خائفا وقد مضى تفسيره [القصص: ١٨]. قوله تعالى: {نَجّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} يعني المشركين أهل مصر. {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ} قال ابن قتيبة: أي: تجاه مدين ونحوها، وأصله: اللقاء، وزيدت فيه التاء، قال الشاعر: أملت خيرك هل تأتي مواعده فاليوم قصر عن تلقائك الامل أي عن لقائك. قال المفسرون: خرج خائفا بغير زاد ولا ظهر، وكان بين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام، ولم يكن له بالطريق علم، ف {قَالَ عَسَىٰ رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء ٱلسَّبِيلِ} أي: قصده قال ابن عباس: لم يكن له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه. وقال السدي: بعث اللّه له ملكا فدله،قالوا: ولم يكن له في طريقه طعام إلا ورق الشجر، فورد ماء مدين، وخضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال، والأمة: الجماعة، وهم الرعاة {يُسْقَوْنَ} مواشيهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} أي من سوى الأمة {ٱمْرَأَتَينِ} وهما ابنتا شعيب قال مقاتل: واسم الكبرى: صبورا والصغرى: عبرا {تَذُودَانِ} قال ابن قتيبة: أي: تكفان غنمهما، فحذف الغنم اختصارا. قال المفسرون: وإنما فعلتا ذلك ليفرغ الناس، وتخلو لهما البئر، قال موسى: {مَا خَطْبُكُمَا} أي: ما شأنكما لا تسقيان {قَالَتَا لاَ نَسْقِى} وقرأ ابن مسعود وأبو الجوزاء وابن يعمر وابن السميفع {لانُسقي} برفع النون حتى يصدر الرعاء وقرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو حعفر يصدر بفتح الياء وضم الدال أي {حَتَّىٰ يَرْجِعَ ٱلرّعَاء} وقرأ الباقون {يُصْدِرَ} بضم الياء وكسرالدال أرادوا: حتى يرد الرعاء غنمهم عن الماء، والرعاء: جمع راع كما يقال: صاحب وصحاب. وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير وابن يعمر وعاصم الجحدري {ٱلرّعَاء} بضم الراء والمعنى: نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال، {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر، فلذلك احتجنا نحن إلى ان نسقي، وكان على تلك البئر صخرة عظيمة، فاذا فرغ الرعاء من سقيهم أعادوا الصخرة، فتأتي المرأتان إلى فضول حياض الرعاء، فتسقيان غنمهما {فَسَقَىٰ لَهُمَا} موسى.وفي صفة ما صنع قولان. احدهما: أنه ذهب إلى بئر أخرى، عليها صخرة لا يقتلعها إلا جماعة من الناس، فاقتلعها وسقى لهما، قاله عمر بن الخطاب، وشريح. والثاني: أنه زاحم القوم على الماء وسقى لهما، قاله ابن إسحاق. والمعنى: سقى غنمهما لأجلهما. {ثُمَّ تَوَلَّىٰ} أي: انصرف {إِلَى ٱلظّلّ} وهو ظل شجرة {فَقَالَ رَبّ إِنّى لِمَا} اللام بمعنى إلى، فتقديره: إني إلى ما {أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وأراد بالخير: الطعام. وحكى ابن جرير: أنه أسمع المرأتين هذا الكلام تعريضا أن تطعماه، {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا} المعنى: فلما شربت غنمهما، رجعتا إلى أبيهما، فأخبرتاه خبر موسى، فبعث إحداهما تدعو موسى. وفيها قولان. احدهما: الصغرى. والثاني: الكبرى. فجاءته {تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَاء} قد سترت وجهها بكم درعها. وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال. احدها: أنه كان من صفتها الحياء، فهي تمشي مشي من لم يعتد الخروج والدخول. والثاني:لأنها دعته لتكافئه، وكان الأجمل عندها أن تدعوه من غير مكافأة. والثالث: لأنها رسول أبيها. قوله تعالى: {لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} قال المفسرون: لما سمع موسى هذا القول، كرهه وأراد أن لا يتبعها، فلم يجد بدا للجهد الذي به من اتباعها، فتبعها فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها، فناداها يا أمة اللّه كوني خلفي، ودليني الطريق، {فَلَمَّا جَاءهُ} أي: جاء موسى شعيبا، {وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ} أي: أخبره بأمره من حين ولد، والسبب الذي أخرجه من أرضه، قال: {لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} أي: لا سلطان لفرعون بأرضنا، ولسنا في مملكته. {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} وهي الكبرى: {إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَـجِرْهُ} أي: اتخذه أجيرا، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَـجَرْتَ ٱلْقَوِىُّ ٱلامِينُ} أي: خير من استعملت على عملك، من قوي على عملك وأدى الأمانة، وإنما سمته قويا لرفعه الحجر عن رأس البئر، وقيل: لأنه استقى بدلو لا يقلها إلا العدد الكثير من الرجال، وسمته أمينا لأنه امرها أن تمشي خلفه. وقال السدي: قال لها شعيب: قد رأيت قوته، فما يدريك بأمانته؟ فحدثته. قال المفسرون: فرغب فيه شعيب، فقال له: {إِنّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ} أي: أزواجك {إِحْدَى ٱبْنَتَىَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَجٍ} قال الفراء: تأجُرني وتأجِرني بضم الجيم وكسرها لغتان. قال الزجاج: والمعنى: تكون أجيرا لي ثماني سنين {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ} أي: فذلك تفضل منك، وليس بواجب عليك. قوله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} أي: في العشر {سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللّه مِنَ الصَّـٰلِحِينَ} أي: في حسن الصحبة والوفاء بما قلت. {قَالَ} له موسى {ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ} أي: ذلك الذي وصفت وشرطت عليّ فلكَ، وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي، فالأمر كذلك بيننا. وتم الكلام هاهنا. ثم قال {أَيَّمَا ٱلاْجَلَيْنِ} يعني: الثماني والعشر قال أبو عبيدة ما زائدة. قوله تعالى: {قُضِيَتِ} أي: أتممت {فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ} أي: لا سبيل علي، والمعنى: لا تعتد علي بأن تلزمني أكثر منه {وَٱللّه عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} قال الزجاج: أي: واللّه شاهدنا على ما عقد بعضنا على بعض. واختلف العلماء في هذا الرجل الذي استأجر موسى على أربعة أقوال. احدها:أنه شعيب نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وعلى هذا أكثر أهل التفسير، وفيه أثر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يدل عليه، وبه قال وهب، ومقاتل. والثاني: أنه صاحب مدين، واسمه يثرى، قاله ابن عباس. والثالث: رجل من قوم شعيب، قاله الحسن. والرابع: أنه يثرون ابن اخي شعيب، رواه عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ابن عبد اللّه بن مسعود، وبه قال ابن السائب. واختلفوا في التي تزوجها موسى من الإبنتين على قولين. احدهما: الصغرى، روي عن ابن عباس. والثاني: الكبرى قاله مقاتل. وفي اسم التي تزوجها ثلاثة أقوال. احدها: صفوريا، حكاه ابو عمران الجوني. والثاني: صفورة، قاله شعيب الجبائي. والثالث: صبورا، قاله مقاتل. |
﴿ ٢٨ ﴾