١٧

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ} يعني من المنافقين وفي القائلين لهذا منهم قولان.

احدهما: عبد اللّه بن ابي وأصحابه قاله السدي.

والثاني: بنو سالم من المنافقين، قاله مقاتل.

قوله تعالى: {مّنْهُمْ يٰأَهْلَ .يَثْرِبَ} قال أبو عبيدة: يثرب: اسم أرض، ومدينة النبي صلى اللّه عليه وسلم في ناحية منها.

قوله تعالى: {لاَ مُقَامَ لَكُمْ} وقرأ حفص عن عاصم {لاَ مُقَامَ} بضم الميم قال الزجاج: من ضم الميم فالمعنى: لا إقامة لكم، ومن فتحها فالمعنى: لا مكان لكم تقيمون فيه، وهؤلاء كانوا يثبطون المؤمنين عن النبي صلى اللّه عليه وسلم.

قوله تعالى: {فَٱرْجِعُواْ} أي إلى المدينة، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، خرج بالمسلمين حتى عسكروا ب «سلع» وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم فقال المنافقون: للناس: ليس لكم هاهنا مقام لكثرة العدو، وهذا قول الجمهور.

وحكى الماوردي قولين آخرين.

احدهما: لا مقام لكم على دين محمد، فارجعوا إلى دين مشركي العرب، قاله الحسن.

والثاني: لا مقام لكم على القتال، فارجعوا إلى طلب الأمان قاله الكلبي.

قوله تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ} فيه قولان.

احدهما: أنهم بنو حارثة، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: بنو حارثة بن الحارث بن الخزرج. وقال السدي: إنما استأذنه رجلان من بني حارثة.

والثاني: بنو حارثة وبنو سلمة بن جشم، قاله مقاتل.

قوله تعالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} قال ابن قتيبة: أي: خالية فقد امكن من أراد دخولها، وأصل العورة ما ذهب عنه الستر والحفظ، فكأن الرجال ستر وحفظ للبيوت، فاذا ذهبوا أعورت البيوت، تقول العرب: أعور منزلي: إذا ذهب ستره، أو سقط جداره، وأعور الفارس، إذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن. يقول اللّه

{وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ} لأن اللّه يحفظها، ولكن يريدون الفرار. وقال الحسن ومجاهد: قالوا بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق. وقال قتادة: قالوا بيوتنا مما يلي العدو، ولا نأمن على أهلنا، فكذبهم اللّه، وأعلم أن قصدهم الفرار.

قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مّنْ أَقْطَارِهَا} يعني المدينة، والأقطار النواحي والجوانب، واحدها قطر، {ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ} وقرأ علي بن ابي طالب عليه السلام والضحاك والزهري وابو عمران وأبو جعفر وشيبة {ثُمَّ} برفع السين وكسر الياء من غير همز. وقرأ أبي بن كعب ومجاهد وأبو الجوزاء {ثُمَّ} برفع السين ومد الواو بهمزة مكسورة بعدها. وقرأ الحسن وأبو الأشهب {ثُمَّ} برفع السين وسكون الواو من غير مد ولا همز. وقرأ الأعمش وعاصم الجحدري {ثُمَّ} بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو.

ومعنى: {ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ} أي سئلوا فعلها والفتنة: الشرك {لاَتَوْهَا} قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر {لاَتَوْهَا} بالقصر أي: لقصدوها ولفعلوها. وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي {لاَتَوْهَا} بالمد أي لاعطوها. قال ابن عباس في معنى الآية: لو ان الأحزاب دخلوا المدينة، ثم امروهم بالشرك لأشركوا.

قوله تعالى: {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَا إِلاَّ يَسِيراً} فيه قولان.

احدهما: وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا، قاله قتادة.

والثاني: وما تلبثوا بالمدينة بعد الإجابة إلا يسيرا، حتى يعذبوا، قاله السدي. وحكى ابو سليمان الدمشقي في الآية قولا عجيبا، وهو أن الفتنة هاهنا الحرب، والمعنى: ولو دخلت المدينة على أهلها من أقطارها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادرين، وما تلبثوا ـ يعني الجيوش الداخلة عليهم ـ بها إلا قليلا حتى يخرجوهم منها، وإنما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشك في دينك. قال: وهذا المعنى حفظته من كتاب الواقدي.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَانُواْ عَـٰهَدُواْ ٱللّه مِن قَبْلُ} في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال.

احدها: أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر، فلما علموا ما اعطى اللّه اهل بدر من الكرامة، قالوا: لئن شهدنا قتالا لنقاتلن، قاله قتادة.

والثاني: أنهم أهل العقبة، وهم سبعون رجلا بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على طاعة اللّه ونصرة رسوله، قاله مقاتل.

والثالث: أنه لما نزل بالمسلمين يوم أحد ما نزل، عاهد اللّه معتب بن قشير وثعلبة بن حاطب لا نولي دبرا قط، فلما كان يوم الأحزاب نافقا، قاله الواقدي، واختاره ابو سليمان الدمشقي، وهو اليق مما قبله، وإذا كان الكلام في حق المنافقين، فكيف يطلق القول على أهل العقبة كلهم؟.

قوله تعالى: {وَكَانَ عَهْدُ ٱللّه * مَسْؤُولاً} أي يسألون عنه في الآخرة. ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم، فقال:

{قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ} بعد الفرار في الدنيا

{إِلاَّ قَلِيلاً} وهو باقي آجالكم. ثم أخبر ان ما قدره عليهم لا يدفع بقوله:

{مَن ذَا ٱلَّذِى يَعْصِمُكُمْ مّنَ ٱللّه} أي يجيركم ويمنعكم منه

{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً} وهو الإهلاك والهزيمة والبلاء

{أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} وهي النصر والعافية والسلامة

{وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ ٱللّه وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} أي لا يجدون مواليا ولا ناصرا يمنعهم من مراد اللّه فيهم.

﴿ ١٧