|
٢٢ قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ ٱللّه ٱلْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ} في سبب نزولها قولان. احدهما: ان رجلا انصرف من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الاحزاب، فوجد أخاه لأمه وابيه وعنده شواء ونبيذ، فقال له: انت هاهنا ورسول اللّه بين الرماح والسيوف، فقال: هلم إلي لقد أحيط بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا، فقال له: كذبت والذي يحلف به، اما واللّه لأخبرن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأمرك، فذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخبره، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله: {يَسِيراً} هذا قول ابن زيد. والمعوق: المثبط تقول عاقني فلان واعتاقني وعوقني، إذا منعك عن الوجه الذي تريده، وكان المنافقون يعوقون عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نصّاره. قوله تعالى: {وَٱلْقَائِلِينَ لإِخْوٰنِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} فيهم ثلاثة أقوال. احدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد. والثاني: أنهم اليهود دعوا إخوانهم من المنافقين إلى ترك القتال، قاله مقاتل. والثالث: أنهم المنافقون دعوا المسلمين إليهم عن رسول اللّه ص، حكاه الماوردي. قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ} أي لا يحضرون القتال في سبيل اللّه {إِلاَّ قَلِيلاً} للرياء والسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك القليل للّه لكان كثيرا. قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} قال الزجاج: هو منصوب على الحال المعنى: لا يأتون الحرب إلا تعذيرا بخلاء عليكم. وللمفسرين فيما شحوا به اربعة أقوال. احدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد. والثاني: بالنفقة في سبيل اللّه. والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة. وقال الزجاج: بالظفر والغنيمة. والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي. ثم أخبر عن جبنهم فقال: {فَإِذَا جَاء ٱلْخَوْفُ} أي إذا حضر القتال {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ} أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته، وغشيته أسبابه، فانه يخاف ويذهل عقله، ويشخص بصره، فلا يطرف، فكذلك هؤلاء لأنهم يخافون القتل. {فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم} قال الفراء: آذوكم بالكلام في الأمن {بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} سليطة ذربة، والعرب تقول: صلقوكم بالصاد ولا يجوز في القراءة، وهذا قول الفراء. وقد قرأ بالصاد أبي بن كعب وأبو الجوزاء وأبو عمران الجوني وابن ابي عبلة في آخرين. وقال الزجاج: معنى: سلقوكم: خاطبوكم اشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق، إذا كان بليغا في خطبته {أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ} أي خاطبوكم وهم أشحة على المال والغنيمة، قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة، بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطونا فلستم أحق بها منا، فأما عند الباس فأجبن قوم وأخذله للحق، وأما عند الغنيمة فأشح قوم. وفي المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال. احدها: أنه الغنيمة. والثاني: على المال أن ينفقوه في سبيل اللّه تعالى. والثالث:على رسول اللّه ص بَظَفره. قوله تعالى: {أوْلَـئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ} أي هم وإن أظهروا الإيمان. فليسوا بمؤمنين لنفاقهم {فَأَحْبَطَ ٱللّه أَعْمَـٰلَهُمْ} قال مقاتل: أبطل جهادهم لانه لم يكن في إيمان، وكان ذلك الإحباط على اللّه يسيرا. ثم أخبر عنهم بما يدل على جبنهم فقال: {يَحْسَبُونَ ٱلاْحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ} أي: يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم، أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا {وَإِن يَأْتِ ٱلاْحْزَابُ} أي: يرجعوا إليهم كرة ثانية للقتال {يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى ٱلاْعْرَابِ} أي يتمنوا لو كانوا في بادية الاعراب من خوفهم {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ} أي ودوا لو انهم بالبعد منكم، يسألون عن أخباركم فيقولون: ما فعل محمد وأصحابه؟. ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة فرقا وجبنا، وقيل: بل يسألون شماتة بالمسلمين وفرحا بنكباتهم {وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ} أي لو كانوا يشهدون القتال معكم ما قاتلوا إلا قليلا. فيه قولان. احدهما: إلا رميا بالحجارة، قاله ابن السائب. والثاني: إلا رياء من غير احتساب، قاله مقاتل. ثم عاب من تخلف بالمدينة بقوله: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي قدوة صالحة، والمعنى: لقد كان لكم به اقتداء، لو اقتديتم به في الصبر معه كما صبر يوم احد، حتى كسرت رباعيته وشج جبينه، وقتل عمه وآساكم مع ذلك بنفسه. وقرأ عاصم {أُسْوَةٌ} بضم الألف والباقون بكسر الألف وهما لغتان. قال الفراء: أهل الحجاز وأسد يقولون {أُسْوَةٌ} بالكسر وتميم وبعض قيس يقولون {أُسْوَةٌ} بالضم. وخص اللّه تعالى بهذه الأسوة المؤمنين، فقال: {لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللّه وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ} والمعنى أن الأسوة برسول اللّه إنما كانت لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر، وفيه قولان. احدهما: يرجو ما عنده من الثواب والنعيم، قاله ابن عباس. والثاني: يخشى اللّه ويخشى البعث، قاله مقاتل. قوله تعالى: {وَذَكَرَ ٱللّه كَثِيراً} أي: ذكرا كثيرا، لأن ذاكر اللّه متبع لأوامره، بخلاف الغافل عنه. ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال: {وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلاْحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللّه وَرَسُولُهُ} وفي ذلك الوعد قولان. احدهما: أنه قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} الآية [البقرة: ٢١٤] فلما عاينوا البلاء يومئذ قالوا: هذا ما وعدنا اللّه ورسوله، قاله ابن عباس وقتادة في آخرين. والثاني: ان رسول اللّه ص وعدهم النصر والظهور على مدائن كسرى وقصور الحيرة، ذكره الماوردي وغيره. قوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ} يعني ما رأوه {إِلاَّ إِيمَانًا} بوعد اللّه {وَتَسْلِيماً} لأمره. |
﴿ ٢٢ ﴾