|
٣٧ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} الآية في سبب نزولها قولان. احدهما: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انطلق يخطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه ولست بناكحته، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «بلى فانكحيه، فاني قد رضيته لك»، فأبت، فنزلت هذه الآية. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور، وذكر بعض المفسرين: أن عبد اللّه بن جحش أخا زينب كره ذلك كما كرهته زينب، فلما نزلت الآية رضيا وسلما. قال مقاتل: والمراد بالمؤمن: عبد اللّه بن جحش، والمؤمنة: زينب بنت جحش. والثاني: أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أول أمرأة هاجرت، فوهبت نفسها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: قد قبلتك. وزوجها زيد بن حارثة، فسخطت هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول اللّه فزوجها عبده، فنزلت هذه الآية، قاله ابن زيد. والاول عند المفسرين أصح. قوله تعالى: {إِذَا قَضَى ٱللّه وَرَسُولُهُ أَمْراً} أي: حكما بذلك {أَن تَكُونَ} وقرأ أهل الكوفة {أَن يَكُونَ} بالياء {لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ} وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء: الخيرة باسكان الياء، فجمع في الكناية في قوله «لهم» لان المراد جميع المؤمنين والمؤمنات، والخيرة: الاختيار، فأعلم اللّه عز وجل أنه لا اختيار على ما قضاه اللّه ورسوله، فلما زوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم زيدا مكثت عنده حينا، ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى منزل زيد فنظر إليها، وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: سبحان مقلب القلوب، وفطن زيد فقال: يا رسول اللّه ائذن لي في طلاقها، وقال بعضهم: أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منزل زيد، فرأى زينب، فقال: سبحان مقلب القلوب، فسمعت ذلك زينب، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول اللّه ائذن لي في طلاقها. وقال ابن زيد: جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى باب زيد، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فرأى زينب، فلما وقعت في قلبه، كرهت إلى الآخر، فجاء فقال يا رسول اللّه أريد فراقها، فقال له: اتق اللّه. وقال مقاتل: لما فطن زيد لتسبيح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: يا رسول اللّه ائذن لي في طلاقها، فان فيها كبرا فهي تعظم علي وتؤذيني بلسانها. فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللّه} ثم إن زيدا طلقها بعد ذلك، فأنزل اللّه تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنعَمَ ٱللّه عَلَيْهِ} بالاسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالعتق. قوله تعالى: {وَٱتَّقِ ٱللّه} أي: في أمرها فلا تطلقها {وَتُخْفِى فِى نِفْسِكَ} أي: تسر وتضمر في قلبك {مَا ٱللّه مُبْدِيهِ} أي: مظهره؛ وفيه أربعة اقوال. احدها: حبها، قاله ابن عباس. والثاني: عهد عهده اللّه إليه أن زينب ستكون له زوجة، فلما أتى زيد يشكوها، قال له: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللّه} وأخفى في نفسه ما اللّه مبديه، قاله علي بن الحسين. والثالث: إيثاره لطلاقها، قاله قتادة، وابن جريج، ومقاتل. والرابع: أن الذي أخفاه إن طلقها زيد تزوجتها، قاله ابن زيد. قوله تعالى: {وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ} فيه قولان. احدهما: أنه خشي اليهود أن يقولوا تزوج محمد امرأة ابنه، رواه عطاء عن ابن عباس. والثاني: أنه خشي لوم الناس، أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته، ثم نكحها. قوله تعالى: {وَٱللّه أَحَقُّ أَن تَخْشَـٰهُ} أي: أولى أن تخشى في كل الأحوال، وليس المراد أنه لم يخش في هذه الحال، ولكن لما كان لخشيته بالخلق نوع تعلق، قيل له: اللّه احق أن تخشى منهم. قالت عائشة: ما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية، ولو كتم شيئا من الوحي، لكتمها. فصل وقد ذهب بعض العلماء إلى تنزيه رسول اللّه من حبها وإيثاره طلاقها، وإن كان ذلك شائعا في التفسير، قالوا: وإنما عوتب في هذه القصة على شيئين: احدهما: أنه أخبر بأنها ستكون زوجة له، فقال لزيد: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} فكتم ما أخبره اللّه به من أمرها حياء من زيد ان يقول له إن زوجتك ستكون امرأتي. وهذا يخرج على ما ذكرنا عن علي بن الحسين وقد نصره الثعلبي والواحدي. والثاني: أنه لما رأى اتصال الخصومة بين زيد وزينب، ظن أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها، وأضمر أنه إن طلقها تزوجتها صلة لرحمها وإشفاقا عليها، لانها كانت بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، فعاتبه اللّه على إضمار ذلك وإخفائه حين قال لزيد: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وأراد منه ان يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء، كما قيل له في قصة رجل أراد قتله: هلا أومأت إلينا بقتله؟ فقال: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين». ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى رحمه اللّه عليه. قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً} قال الزجاج: الوطر: كل حاجة لك فيها همة فاذا بلغها البالغ قيل: قد قضى وطره. وقال غيره: قضاء الوطر في اللغة: بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء، ثم صار عبارة عن الطلاق، لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة، والمعنى: لما قضى زيد حاجته من نكاحها {زَوَّجْنَـٰكَهَا}وإنما ذكر قضاء الوطر هاهنا ليبين أن امرأة المتبني تحل وإن وطئها، وهو قوله: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} والمعنى: زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنيته، لكيلا يظن أن امرأة المتبني لا يحل نكاحها. وروى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينب، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لزيد اذهب فاذكرها علي، قال زيد: فانطلقت فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن. وذكر أهل العلم: أن من خصائص رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه أجيز له التزويج بغير مهر، ليخلص قصد زوجاته للّه دون العوض، وليخفف عنه، وأجيز له التزويج بغير ولي لأنه مقطعوع بكفاءته، وكذلك هو مستغن في نكاحه عن الشهود، وكانت زينب تفاخر نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن، وزجني اللّه عز وجل. |
﴿ ٣٧ ﴾