١١

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا * دَاوُودُ * مِنَّا فَضْلاً} وهو النبوة والزبور وتسخير الجبال والطير إلى غير ذلك، مما أنعم اللّه به عليه {فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ}

وروى الحلبي عن عبد الوارث: {أَوّبِى} بضم الهمزة وتخفيف الواو. قال الزجاج: المعنى: وقلنا يا جبال أوبي معه أي: رجعي معه والمعنى: سبحي معه ورجعي التسبيح

ومن قرأ {أَوّبِى} معناه: عودي في التسبيح معه كلما عاد. وقال ابن قتيبة: {أَوّبِى} أي سبحي، واصل التأويب في السير، وهو ان يسير النهار كله وينزل ليلا، فكأنه أراد ادأبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل.

قوله تعالى: {وَٱلطَّيْرُ} وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، وابو العالية، وابن ابي عبلة:

{وَٱلطَّيْرُ} بالرفع. فأما قراءة النصب، فقال أبو عمرو بن العلاء: هو عطف على قوله:

{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا * دَاوُودُ * مِنَّا فَضْلاً وَٱلطَّيْرُ} أي: وسخرنا له الطير. قال الزجاج: ويجوز ان يكون نصبا على النداء، كأنه قال: دعونا الجبال والطيرَ «فالطير» معطوف على موضع «الجبال» وكل منادى عند البصريين فهو في موضع نصب. قال:

وأما الرفع فمن جهتين

إحداهما: ان يكون نسقا على ما في {أَوّبِى}. فالمعنى: يا جبال رجعي التسبيح معه أنت والطير.

والثانية: على النداء المعنى: يا جبال وياأيها الطير أوبي معه.قال ابن عباس: كانت الطير تسبح معه إذا سبح، وكان إذا قرأ لم تبق دابة إلا استمعت لقراءته، وبكت لبكائه. وقال وهب بن منبه: كان يقول للجبال: سبحي وللطير أجيبي، ثم يأخذ هو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن، فلا يرى الناس منظرا أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئا أطيب منه.

قوله تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ} أي: جعلناه لينا. قال قتادة: سخر اللّه له الحديد بغير نار، فكان يسويه بيده لا يدخله النار ولا يضربه بحديدة، وكان اول من صنع الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح.

قوله تعالى: {أَنِ ٱعْمَلْ} قال الزجاج: معناه وقلنا له: اعمل، ويكون في معنى لأن يعمل سابغات، أي: دروعا سابغات، فذكر الصفة لانها تدل على الموصوف.

قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين، يعمل به ما يشاء فيعمل الدرع في بعض يوم، فيبيعه بمال كثير فيأكل ويتصدق، والسابغات الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض. {وَقَدّرْ فِى ٱلسَّرْدِ} أي: اجعله على قدر الحاجة. قال ابن قتيبة: السرد النسج ومنه يقال لصانع الدروع: سراد وزراد تبدل من السين الزاي، كما يقال سراط وزراط. وقال الزجاج: السرد في اللغة تقدمة الشيء إلى الشيء تأني به متسقا بعضه في إثر بعض متتابعا، ومنه قولهم سرد فلان الحديث.

وفي معنى الكلام قولان.

احدهما: عدِّل المسمار في الحلقة ولا تصغره فيقلق، ولا تعظمه فتنفصم الحلقة، قاله مجاهد.

والثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قاله قتادة.

قوله تعالى: {وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً} خطاب لداود وآله.

﴿ ١١