١٢

{لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ} فيه قولان.

أحدهما: وجب العذاب.

والثاني: سبق القول بكفرهم. قوله تعالى:

{عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ} يعني أهل مكة، وهذه إشارة إلى إرادة اللّه تعالى السابقة لكفرهم

{فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} لما سبق من القدر بذلك.

{إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً} فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها مثل، وليس هناك غل حقيقة، قاله أكثر المحققين،

ثم لهم فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها مثل لمنعهم عن كل خير، قاله قتادة.

والثاني: لحبسهم عن الإنفاق في سبيل اللّه بموانع كالأغلال، قاله الفراء، وابن قتيبة.

والثالث: لمنعهم من الإيمان باللّه، قاله أبو سليمان الدمشقي.

والقول الثاني: أنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل. قال مقاتل بن سليمان: حلف أبو جهل لئن رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي ليدمغنه، فجاءه وهو يصلي، فرفع حجرا فيبست يده والتصق الحجر بيده، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم الخبر. فقام رجل منهم فأخذ الحجر فلما دنا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طمس اللّه على بصره فلم يره، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه، فنزل في أبي جهل:

{إِنَّمَا جَعَلْنَا فِى أَعْنـٰقِهِمْ أَغْلَـٰلاً} الآية. ونزل في الآخر

{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً}.

والقول الثالث: أنه على حقيقته إلا أنه وصف لما سينزله اللّه تعالى بهم في النار، حكاه الماوردي. قوله تعالى:

{فَهِىَ إِلَى ٱلاْذْقَـٰنِ} قال الفراء: فهي كناية عن الأيمان، ولم تذكر، لأن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق جامعا لهما. فاكتفي بذكر أحدهما عن صاحبه. وقال الزجاج: هي كناية عن الأيدي، ولم يذكر إيجازا، لأن الغل يتضمن اليد والعنق، وأنشد:

وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني

وإنما قال: أيهما لأنه قد علم أن الخير والشر معرضان للانسان. قال الفراء: والذقن أسفل اللحيين، والمقمح الغاض بصره بعد رفع رأسه، قال أبو عبيده: كل رافع رأسه فهو مقامح وقامح والجمع قماح. فإن فعل ذلك بإنسان فهو مقمح ومنه هذه الآية. وقال ابن قتيبة: يقال بعير قامح وإبل قماح إذا رويت من الماء فقمحت. قال الشاعر وذكر سفينة ـ:

ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح

وقال الأزهري: المراد أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم، رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم، فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إياها. قوله تعالى:

{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً} قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بفتح السين، والباقون: بضمها، وقد تكلمنا على الفرق بينهما في [الكهف: ٩٤].

وفي معنى الآية قولان:

أحدهما: منعناهم عن الإيمان بموانع، فهم لا يستطيعون الخروج عن الكفر.

والثاني: حجبناهم عن أذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالظلمة لما قصدوه بالأذى. قوله تعالى:

{فَأغْشَيْنَـٰهُمْ} قال ابن قتيبة: أغشينا عيونهم وأعميناهم عن الهدى. وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ويحيى بن يعمر: {فَأغْشَيْنَـٰهُمْ} بعين غير معجمة. ثم ذكر أن الإنذار لا ينفعهم لإضلاله إياهم بالآية التي بعد هذه. ثم أخبر عمن ينفعه الإنذار بقوله تعالى:

{إِنَّمَا تُنذِرُ} أي: إنما ينفع إنذارك {مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِكْرَ} وهو القرآن فعمل به

{وَخشِىَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ} وقد شرحناه في [الأنبياء: ٤٩] والأجر الكريم الحسن وهو الجنة.

{إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ} للبعث {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} من خير وشر في دنياهم وقرأ النخعي والجحدري: ويكتب بياء مرفوعة وفتح التاء وآثارهم برفع الراء. وفي أثارهم ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها خطاهم بأرجلهم، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة. قال أبو سعيد الخدري: شكت بنو سلمة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد، فأنزل اللّه تعالى:

{وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَءاثَارَهُمْ} فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم:

«عليكم منازلكم، فإنما تكتب آثاركم»،

وقال قتادة وعمر بن عبد العزيز: لو كان اللّه مغفلا شيئا، لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدم ابن آدم.

والثاني: أنها الخطا إلى الجمعة، قاله أنس بن مالك.

والثالث: ما أثروا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، واختاره الفراء، وابن قتيبة، والزجاج. قوله تعالى:

{وَكُلَّ شىْء} وقرأ ابن السميفع، وابن أبي عبلة: وكل برفع اللام، أي: من الأعمال أحصيناه أي: حفظناه {فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ} وهو اللوح المحفوظ.

﴿ ١٢