١١

قوله تعالى: {وَعَجِبُواْ} يعني الكفار {أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ} يعني رسولا من أنفسهم ينذرهم النار. {أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً} لأنه دعاهم إلى اللّه وحده وأبطل عبادة آلهتهم، وهذا قولهم لما اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: أتعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، وهي لا إله إلا اللّه، فقاموا يقولون: {أَجَعَلَ ٱلاْلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً} ونزلت هذه الآية فيهم. {إِنَّ هَذَا} الذي يقول محمد من أن الآلهة إلها واحدا {لَشَىْء عُجَابٌ} أي: لأمر عجب. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: {عُجَابٌ} بتشديد الجيم. قال اللغويون: العجاب والعجّاب والعجيب بمعنى واحد، كما تقول: كبير وكبار وكبار، وكريم وكرام وكرام، وطويل وطوال وطوال، وأنشد الفراء: جاؤوا بصيد عجب من العجب أزيرق العينين طوال الذنب قال قتادة: عجب المشركون أن دعي اللّه وحده وقالوا: أيسمع لحاجتنا جميعا إله واحد؟.

وقوله تعالى: {وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلا مِنْهُمْ} قال المفسرون: لما اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشكوا إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ما سبق بيانه، نفروا من قوله: لا إله إلا اللّه، وخرجوا من عند أبي طالب، فذلك قوله {وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلا مِنْهُمْ} الانطلاق الذهاب بسهولة، ومنه طلاقة الوجه، والملأ أشراف قريش، فخرجوا يقول بعضهم لبعض {ٱمْشُواْ} و {ءانٍ} بمعنى أي؛ فالمعنى: أي امشوا. قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: انطلقوا بأن امشوا أي انطلقوا بهذا القول.

وقال بعضهم: المعنى: انطلقوا يقولون: امشوا إلى أبي طالب فاشكوا إليه ابن أخيه، {وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ ءالِهَتِكُمْ} أي: اثبتوا على عبادتها {إِنَّ هَذَا} الذي نراه من زيادة أصحاب محمد {لَشَىْء يُرَادُ} أي: لأمر يراد بنا. {مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا} الذي جاء به محمد من التوحيد {فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلاْخِرَةِ} وفيها ثلاثة أقوال:

أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإبراهيم بن المهاجر عن مجاهد، وبه قال محمد بن كعب القرظي، ومقاتل.

والثاني: أنها ملة قريش، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة.

والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج. والمعنى: أن اليهود أشركت بعزير، والنصارى قالت: ثالث ثلاثة فلهذا أنكرت التوحيد. {إِنَّ هَذَا} الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم {إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ} أي: كذب. {أَءنزِلَ ذِى ٱلذّكْرِ} يعنون القرآن عليه، يعنون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، {مّن بَيْنِنَا} أي: كيف خص بهذا دوننا، وليس بأعلانا نسبا ولا أعظمنا شرفا، قال اللّه تعالى: {بْل هُمْ فَى شَكّ مّن ذِكْرِى} أي: من القرآن، والمعنى: أنهم ليسوا على يقين مما يقولون، إنما هم شاكون {بَل لَّمَّا} قال مقاتل: لما بمعنى لم كقوله {وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلاْيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ} [الحجرات/١٤] وقال غيره: هذا تهديد لهم. والمعنى: أنه لو نزل بهم العذاب، علموا أن ما قاله محمد حق. وأثبت ياء {عَذَابِى} في الحالين يعقوب. قال الزجاج: ولما دل قولهم: {عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ مِن} على حسدهم له، أعلم اللّه عز وجل أن الملك والرسالة إليه، فقال: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبّكَ}

قال المفسرون: ومعنى الآية: أبأيديهم مفاتيح النبوة فيضعونها حيث شاؤوا، والمعنى ليست بأيديهم، ولا ملك السموات والأرض لهم. فإن ادعوا شيئا من ذلك فليرتقوا في الأسباب. قال سعيد بن جبير: أي: في أبوب السماء. وقال الزجاج: فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء.

قوله تعالى: {جُندٌ} أي: هم جند. والجند: الأتباع؛ فكأنه قال: هم اتباع مقلدون ليس فيهم عالم راشد. و{مَا} زائدة، و{هُنَالِكَ} إشارة إلى بدر. والأحزاب: جميع من تقدمهم من الكفار الذين تحزبوا على الأنبياء. قال قتادة: أخبر اللّه نبيه وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين، فجاء تأويلها يوم بدر.

﴿ ١١