|
٢٨ قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بوجهه سُوءَ العذاب} أي: شِدَّتَه. قال الزجاج: جوابه محذوف، تقديره: كَمَنْ يدخُل الجنة؟ وجاء في التفسير أن الكافر يُلقى في النار مغلولاً، ولا يتهيَّأ له أن يتَّقيَها إلاّ بوجه. ثم أخبر عمّا يقول الخَزَنة للكفار بقوله {وقيل للظالِمِين} يعني الكافرين {ذُوقوا ما كنتم تَكْسِبونَ} أي: جزاء كَسْبِكم. قوله تعالى: {كذَّب الذين مِنْ قَبْلهم} أي: من قبْل كفار مكة {فأتاهم العذاب من حيث لا يَشْعُرون} أي: وهم آمنون غافلون عن العذاب، {فأذاقهم اللّه الخِزْيَ} يعني الهوان والعذاب، {ولَعذابُ الآخرة أكبرُ} ممّا أصابهم في الدنيا {لو كانوا يَعْلَمونَ} ، ولكنهم لا يعلمون ذلك. {ولقد ضَرَبْنا للناس في هذا القرآن} أي: وَصَفْنا لهم {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي: من كل شبه يشبه أحوالهم. قوله تعالى: {قُرآناً عربياً} قال الزجاج: " عربياً " منصوب على الحال، المعنى: ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيَّته وبيانه، فذكر {قرآنا} توكيداً، كما تقول جاءني زيد رجلاً صالحاً. وجاءني عمرو إِنساناً عاقلاً، فذكر رجلاً وإنساناً توكيداً. قوله تعالى: {غَيْرَ ذي عِوَجٍ} روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: غير مخلوق. وقال غيره: مستقيم غير مختلف. ٢٩-٣١ قوله تعالى: {ضَرَبَ اللّه مَثَلاً} ثم بيَّنه فقال: {رجُلاً فيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ} قال ابن قتيبة: أي: مختلِفون، يَتَنازعُون ويَتَشاحُّون فيه، يقال: رجُلٌ شَكِسٌ. وقال اليزيدي: الشَّكسِ من الرجال: الضَّيِّق الخُلُق. قال المفسرون: وهذا مَثَل ضربه اللّه للمؤمِن والكافر، فإن الكافر يعبُد آلهةً شتَّى فمثَّله بعبدٍ يملكه جماعة يتافسون في خدمته، ولا يقدرون أن يبلُغ رضاهم أجمعين؛ والمؤمن يعبُد اللّه وحده، فمثَّله بعبدٍ لرجل واحد، قد عَلِم مقاصدَه وعَرَفَ الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاكس الخُلَطاء فيه، فذلك قوله: {سالِماً لرجُل} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو إٍلاّ عبد الوارث في غير رواية القزَّاز، وأبان عن عاصم {ورجُلا سالِماً} بألف وكسر اللام وبالنصب والتنوين فيهما؛ والمعنى: ورجُلاً خالصاً لرجُل قد سَلِم له من غير مُنازِع. ورواه عبد الوارث إلاّ القزاز كذلك، إلاّ أنه رفع الاسمين، فقال: " ورجُلٌ سالِمٌ لرجُلٍ. وقرأ ابن أبي عبلة {سِلْمُ لِرَجُلٍ} بكسر السين ورفع الميم. وقرأ الباقون: {ورجُلاً سَلَماً} بفتح السين واللام [وبالنصب] فيهما والتنوين. والسَّلَم، بفتح السين واللام، معناه الصُّلح، والسِّلم، بكسرِ السين مثله. قال الزجاج: من قرأ: " سِلْماً " و " سَلْماً " فهما مصدران وُصِفَ بهما، فالمعنى: ورجُلاً ذا سِلْمٍ لرجُل وذا سَلْمٍ لرجُل؛ فالمعنى: ذا سِلْم؛ والسَّلْم: الصُّلح، والسِّلْم، بكسر السين مِثْلُه. وقال ابن قتيبة: [من قرأ] {سَلَماً لِرَجُلٍ} أراد: سلَّم إليه فهو سِلْمٌ له. وقال أبو عبيدة: السِّلْم والسَّلم الصُّلح. قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} هذا استفهام معناه الإِنكار، أي: لا يستويان، لأن الخالص لمالك واحدٍ يَستحقُّ من معونته وإِحسانه ما لا يستحقُّه صاحب الشُّركاء المتشاكسين. وقيل: لا يستويان في باب الرّاحة، لأنه هذا قد عرف الطريق إِلى رضى مالكه، وذاك متحيّر بين الشُّركاء. قال ثعلب: وإِنما قال {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً} ولم َيُقْل: مَثَلَيْنِ، لأنهما جميعاً ضُرِبا مَثَلاً واحداً، ومِثْلُه: {وجَعَلْنا ابْن مَريمَ وأُمَّه آيةً} [المؤمنون: ٥٠]، ولم يَقُلْ: آيتين، لأن شأنهما واحد، وتم الكلام هاهنا. ثم قال: {الحمدُ للّه} أي: له الحمد دون غيره من المعبودِين {بَلْ أكثرُهم لا يَعْلَمونَ} والمراد بالأكثر الكُلّ. ثم أخبر نبيَّه بما بعد هذا الكلام أنه يموت، وأن الذين يكذِّبونه يموتون، وأنهم يجتمعون للخُصومة عند اللّه عز وجل، المُحِقُّ والمُبطلُ، والمظلومُ والظالمُ. وقال ابن عمر: نزلت هذه الآية وما ندري ما تفسيرها، وما نرى أنها نزلت إلاّ فينا وفي أهل الكتابين، حتى قُتِل عثمان، فعرفتُ أنها فينا نزلت وفي لفظ آخر: حتى وقعت الفتنة بين عليّ ومعاوية. |
﴿ ٢٨ ﴾