١٤

قوله تعالى: {وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَىْء} أي: من أمر الدين؛ وقيل: بل هو عام {فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللّه} فيه قولان.

أحدهما: علمه عند اللّه.

والثاني: هو يحكم فيه. قال مقاتل. وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن بعضهم فقال اللّه: أنا الذي أحكم فيه

{ذَلِكُـمُ ٱللّه} الذي يحكم بين المختلفين هو {رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في مهماتي {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أي: أرجع في المعاد.

{فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ} قد سبق بيانه [الأنعام/ ١٤] {جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ} أي: من مثل خلقكم {أَزْوٰجاً} نساء

{وَمِنَ ٱلاْنْعَـٰمِ أَزْوٰجاً} أصنافا ذكورا وإناثا، والمعنى أنه خلق لكم الذكر والأنثى من الحيوان كله {يَذْرَؤُكُمْ} فيها ثلاثة أقوال:

أحدها: يخلقكم، قاله السدي.

والثاني: يعيشكم، قاله مقاتل.

والثالث: يكثركم، قاله الفراء.

وفي قوله فيه قولان:

أحدهما: أنها على أصلها، قاله الأكثرون.

فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج، قاله زيد بن أسلم. فعلى هذا يكون المعنى: يخلقكم في بطون النساء، وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة، فقال: يخلقكم في الرحم أو في الزوج، وقال ابن جرير: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم؛ ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام.

والثاني: أنها ترجع إلى الأرض، قاله ابن زيد فعلى هذا يكون المعنى يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض.

والثالث: أنها ترجع إلى الجعل المذكور

ثم في معنى الكلام قولان.

أحدهما: يعيشكم فيما جعل من الأنعام قاله مقاتل.

والثاني: يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج قاله الواحدي.

والقول الثاني: أن فيه بمعنى به والمعنى يكثركم بما جعل لكم قاله الفراء والزجاج.

قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء} قال ابن قتيبة: أي ليس كهو شيء والعرب تقيم المثل مقام النفس فتقول: مثلي لا يقال له هذا أي أنا لا يقال لي هذا. وقال الزجاج: الكاف مؤكدة والمعنى: ليس مثله شيء وما بعد هذا قد سبق بيانه [الزمر/ ٦٣] [الرعد/ ٢٦] إلى قوله {شَرَعَ لَكُم} أي: بين وأوضح

{مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً} وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام، قاله قتادة.

والثاني: تحريم الأخوات والأمهات، قاله الحكم.

والثالث: التوحيد وترك الشرك.

قوله تعالى: {وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} أي: من القرآن وشرائع الإسلام قال الزجاج: المعنى: وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصى به إبراهيم وموسى وعيسى

وقوله: {أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ} تفسير قوله:

{مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ} وجائز أن يكون تفسيرا لما وصى به نوحا ولقوله:

{وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ولقوله: {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ} فيكون المعنى: شرع لكم ولمن قبلكم إقامة الدين وترك الفرقة، وشرع الاجتماع على اتباع الرسل وقال مقاتل:

{أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ} يعني التوحيد

{وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} أي: لا تختلفوا {كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ} أي: عظم على مشركي مكة {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} يا محمد من التوحيد.

قوله تعالى: {ٱللّه يَجْتَبِى إِلَيْهِ} أي: يصطفي من عباده لدينه {مَن يَشَاء وَيَهْدِى} إلى دينه {مَن يُنِيبُ} أي: يرجع إلى طاعته. ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاه بترك الفرقة، فقال: {وَمَا تَفَرَّقُواْ} يعني أهل الكتاب

{إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ} فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: من بعد كثرة علمهم للبغي.

والثاني: من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال.

والثالث: من بعد ما جاءهم القرآن بغيا منهم على محمد صلى اللّه عليه وسلم. {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} في تأخير المكذبين من هذه الأمة إلى يوم القيامة،

{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بإنزال العذاب على المكذبين

{وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَـٰبَ} يعني اليهود والنصارى

{مّن بَعْدِهِمْ} أي: من بعد أنبيائهم {لَفِى شَكّ مّنْهُ} أي: من محمد صلى اللّه عليه وسلم.

﴿ ١٤