١٦

{فَٱرْتَقِبْ} أي فانتظر {يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ}

اختلفوا في هذا الدخان ووقته على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه دخان يجيء قبل قيام الساعة، فروي عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: إن الدخان يجيء فيأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام وروى عبد اللّه بن أبي مليكة قال غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت قلت لم قال طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يطرق الدخان وهذا المعنى مروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة والحسن.

والثاني: أن قريشا أصابهم جوع فكانوا يرون بينهم وبين السماء دخانا من الجوع. فروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث مسروق قال كنا عند عبد اللّه فدخل علينا رجل فقال جئتك من المسجد، وتركت رجلا يقول في هذه الآية {يَوْمَ تَأْتِى ٱلسَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} يغشاهم يوم القيامة دخان يأخذ بأنفاسهم حتى يصيبهم منه كهيئة الزكام فقال عبد اللّه: من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل اللّه أعلم، إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام والميتة، وجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فقالوا {رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ} فقال اللّه تعالى: {إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فكشف عنهم ثم عادوا إلى الكفر فأخذوا يوم بدر فذلك قوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ} وإلى نحو هذا ذهب مجاهد وأبو العالية والضحاك وابن السائب ومقاتل.

والثالث: أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء بالغبرة حكاه الماوردي.

قوله تعالى: {هَـٰذَا عَذَابٌ} أي يقولون هذا عذاب. {رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ} فيه قولان.

أحدهما: الجوع.

والثاني: الدخان. {إِنَّا مْؤْمِنُونَ} بمحمد صلى اللّه عليه وسلم والقرآن.

{أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذّكْرَىٰ} أي من أين لهم التذكر والاتعاظ بعد نزول هذا البلاء {و} حالهم أنه {قَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} أي ظاهر الصدق. {ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ} أي أعرضوا ولم يقبلوا قوله {وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي هو معلم يعلمه بشر مجنون بادعائه النبوة.

قال اللّه تعالى: {إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً} أي زمانا يسيرا وفي العذاب قولان:

أحدهما: الضر الذي نزل بهم كشف بالخصب، هذا على قول ابن مسعود قال مقاتل كشفه إلى يوم بدر.

والثاني: أنه الدخان قاله قتادة.

قوله تعالى: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فيه قولان.

أحدهما: إلى الشرك قاله ابن مسعود.

والثاني: إلى عذاب اللّه قاله قتادة.

قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ} وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو عمران {يَوْمٍ} بتاء مرفوعة وفتح الطاء البطشة بالرفع. قال الزجاج: المعنى واذكر يوم نبطش. ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله منتقمون لأن ما بعد {ٱلْجِنّ أَنَاْ} لا يجوز أن يعمل فيما قبلها.

وفي هذا اليوم قولان:

أحدهما: يوم بدر قاله ابن مسعود وأبي بن كعب وأبو هريرة وأبو العالية ومجاهد والضحاك.

والثاني: يوم القيامة قاله ابن عباس والحسن. والبطش الأخذ بقوة.

﴿ ١٦