٢٢

قوله تعالى: {قُل لّلَّذِينَ ءامَنُواْ يَغْفِرُواْ} الآية في سبب نزولها أربعة أقوال:

أحدها: أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها: المريسيع، فأرسل عبد اللّه بن أبي غلامة ليستقي الماء فأبطأ عليه فلما أتاه قال له: ما حبسك قال غلام عمر ما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي صلى اللّه عليه وسلم وقرب أبي بكر وملأ لمولاه فقال عبد اللّه: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك فبلغ قوله عمر فاشتمل سيفه يريد التوجه إليه فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: أنها لما نزلت {مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللّه قَرْضًا حَسَنًا}[البقرة/ ٢٤٥] قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج رب محمد. فلما سمع بذلك عمر، اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم في طلب عمر، فلما جاء قال: يا عمر، ضع سيفك وتلا عليه الآية، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس.

والثالث: أن ناسا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية. قاله القرظي والسدي.

والرابع: أن رجلا من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب فهم عمر أن يبطش به فنزلت هذه الآية. قاله مقاتل. ومعنى الآية: قل للذين آمنوا اغفروا ولكن شبه بالشرط والجزاء كقوله: {قُل لّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ} [إبراهيم/ ٣١] وقد مضى بيان هذا.

وقوله: {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ} أي: لا يخافون وقائع اللّه في الأمم الخالية لأنهم لا يؤمنون به فلا يخافون عقابه.

وقيل: لا يدرون أنعم اللّه عليهم أم لا. وقد سبق بيان معنى أيام اللّه في سورة [إبراهيم/ ٥]. فصل وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة، لأنها تضمنت الأمر بالإعراض عن المشركين.

واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه قوله: {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ} [التوبة/ ٥] رواه معمر عن قتادة.

والثاني: أنه قوله في [الأنفال/ ٥٧] {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِى ٱلْحَرْبِ} وقوله في [براءة/ ٣٦] {وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} رواه سعيد عن قتادة.

والثالث: أنه قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَـٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ} [الحج/ ٣٩] قاله أبو صالح.

قوله تعالى: {لِيَجْزِىَ قَوْماً} وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: {لنجزي} بالنون {بَعْدَهَا قَوْماً} يعني الكفار، فكأنه قال: لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن. وما بعد هذا قد سبق [الإسراء/ ٧] إلى قوله {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْكِتَـٰبَ} يعني التوراة {وَٱلْحُكْمَ} وهو الفهم في الكتاب {وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ} يعني المن والسلوى {وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ} أي: عالمي زمانهم. {وَءاتَيْنَـٰهُم بَيّنَـٰتٍ مّنَ ٱلاْمْرِ} فيه قولان:

أحدهما: بيان الحلال والحرام، قاله السدي.

والثاني: العلم بمبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم وشواهد نبوته، ذكره الماوردي. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [آل عمران/ ١٩] إلى قوله:{ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مّنَ ٱلاْمْرِ} سبب نزولها أن رؤساء قريش دعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إلى ملة آبائه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. فأما قوله: {عَلَىٰ شَرِيعَةٍ} فقال ابن قتيبة: أي: على ملة ومذهب، ومنه يقال: شرع فلان في كذا إذا أخذ فيه ومنه مشارع الماء وهي الفرض التي شرع فيها الوارد. قال المفسرين: ثم جعلناك بعد موسى على طريقة من الأمر أي: من الدين فاتبعها و {ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} كفار قريش.

{إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ} أي: لن يدفعوا عنك عذاب اللّه إن اتبعتهم {وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} يعني المشركين {وَٱللّه وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ} الشرك. والآية التي بعدها مفسرة في آخر [الأعراف/ ٢٠٣].

{أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيّئَـٰتِ} سبب نزولها أن كفار مكة قالوا للمؤمنين: إنا نعطى في الآخرة مثلما تعطون من الأجر. قاله مقاتل والاستفهام هاهنا استفهام إنكار واجترحوا بمعنى اكتسبوا.

{سَوَاء مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ} قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وزيد عن يعقوب: {سَوَآء} نصبا، وقرأ الباقون: بالرفع فمن رفع فعلى الابتداء ومن نصب جعله مفعولا ثانيا على تقدير أن نجعل محياهم ومماتهم سواء. والمعنى: إن هؤلاء يحيون مؤمنين ويموتون مؤمنين، وهؤلاء يحيون كافرين ويموتون كافرين؛ وشتان ماهم في الحال والمآل {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي: بئس ما يقضون. ثم ذكر بالآية التي تلي هذه أنه خلق السموات والأرض بالحق، أي: للحق والجزاء بالعدل، لئلا يظن الكافر أنه لا يجزي بكفره.

﴿ ٢٢