١٠

قوله تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ} أي السكون والطمأنينة {فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} لئلا تنزعج قلوبهم لما يرد عليهم فسلموا لقضاء اللّه وكانوا قد اشتد عليهم صد المشركين لهم عن البيت، حتى قال عمر علام نعطي الدنية في ديننا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

«أنا عبد اللّه ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني» ثم أوقع اللّه الرضى بما جرى في قلوب المسلمين فسلموا وأطاعوا. {لِيَزْدَادُواْ إِيمَـٰناً} وذلك أنه كلما نزلت فريضة زاد إيمانهم. {وَللّه جُنُودُ * ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ} يريد: أن جميع أهل السموات والأرض ملك له لو أراد نصرة نبيه بغيركم لفعل، ولكنه اختاركم لذلك فاشكروه.

قوله تعالى: {لّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} الآية. سبب نزولها أنه لما نزل قوله {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} قال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هنيئا لك يا رسول اللّه بما أعطاك اللّه فما لنا؟ فنزلت هذه الآية، قاله أنس بن مالك. قال مقاتل: فلما سمع عبد اللّه بن أبي بذلك انطلق في نفر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: ما لنا عند اللّه فنزلت {وَيُعَذّبَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ} الآية.

قال ابن جرير: كررت اللام في ليدخل على اللام في {لّيَغْفِرَ} فالمعنى إنا فتحنا لك ليغفر لك اللّه ليدخل المؤمنين ولذلك لم يدخل بينهما واو العطف والمعنى: ليدخل وليعذب.

قوله تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ ٱلسَّوْء} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم السين. والباقون بفتحها.

قوله تعالى: {وَكَانَ ذٰلِكَ} أي ذلك الوعد بإدخالهم الجنة وتكفير سيئاتهم {عَندَ ٱللّه} أي في حكمه {فَوْزاً عَظِيماً} والمعنى: أنه حكم لهم بالفوز فلذلك وعدهم إدخال الجنة.

قوله تعالى: {ٱلظَّانّينَ بِٱللّه ظَنَّ ٱلسَّوْء} فيه خمسة أقوال:

أحدها: أنهم ظنوا أن للّه شريكا.

والثاني: أن اللّه لا ينصر محمدا وأصحابه.

والثالث: أنهم ظنوا به حين خرج إلى الحديبية أنه سيقتل أويهزم ولا يعود ظافرا.

والرابع: أنهم ظنوا أنهم ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمنزلة واحدة عند اللّه.

والخامس: ظنوا أن اللّه لا يبعث الموتى وقد بينا معنى دائرة السوء في [براءة/ ٩٨]. وما بعد هذا قد سبق بيانه [الفتح/ ٤] [الاحزاب/ ٤٥] إلى قوله: {لِيُؤْمِنُواْ بِٱللّه وَرَسُولِهِ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {لِيُؤْمِنُواْ} بالياء {ويعزروه ويوقروه ويسبحوه} كلهن بالياء. والباقون: بالتاء على معنى: قل لهم إنا أرسلناك لتؤمنوا. وقرأ علي بن أبي طالب، وابن السميفع: {ويعززوه} بزاءين وقد ذكرنا في [الأعراف/ ١٥٧] معنى ويعزروه عند قوله: {بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ}.

قوله تعالى: {ويوقروه} أي: يعظموه ويبجلوه. واختار كثير من القراء الوقف هاهنا لاختلاف الكناية فيه وفيما بعده.

قوله تعالى: {ويسبحوه} هذه الهاء ترجع إلى اللّه عز وجل. والمراد بتسبيحه هاهنا الصلاة له.

قال المفسرون: والمراد بصلاة البكرة الفجر وبصلاة الأصيل باقي الصلوات الخمس.

قوله تعالى: {وَأَصِيلاً إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} يعني بيعة الرضوان بالحديبية. وعلى ماذا بايعوه فيه قولان:

أحدهما: أنهم بايعوه على الموت، قاله عبادة بن الصامت.

والثاني: على أن لا يفروا، قاله جابر بن عبد اللّه. ومعناهما متقارب لأنه أراد على أن لا تفروا ولو متم، وسميت بيعة لأنهم باعوا أنفسهم من اللّه بالجنة وكان العقد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فكأنهم بايعوا اللّه عز وجل لأنه ضمن لهم الجنة بوفائهم. {يَدُ ٱللّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} فيه أربعة أقوال.

أحدها: يد اللّه في الوفاء فوق أيديهم.

والثاني: يد اللّه في الثواب فوق أيديهم.

والثالث: يد اللّه عليهم في المنة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة، ذكر هذه الأقوال الزجاج.

والرابع: قوة اللّه ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم، ذكره ابن جرير وابن كيسان.

قوله تعالى: {فَمَن نَّكَثَ} أي: نقض ما عقده من هذه البيعة {فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ} أي: يرجع ذلك النقض عليه {وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللّه} من البيعة {فسنؤتيه} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبان عن عاصم: {فسنؤتيه} بالنون. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بالياء {لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} وهو الجنة. قال ابن السائب: فلم ينكث العهد منهم غير رجل واحد يقال له الجد بن قيس وكان منافقا.

﴿ ١٠