١٦

قوله تعالى: {وَٱلطُّورِ} هذا قسم بالجبل الذي كلم اللّه عز وجل عليه موسى عليه السلام، و هو بأرض مدين واسمه زبير.

{وَكِتَـٰبٍ مُّسْطُورٍ} أي: مكتوب، وفي أربعة أقوال:

أحدها: أنه اللوح المحفوظ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: كتب أعمال بني آدم، قاله مقاتل والزجاج.

والثالث: التوراة.

والرابع: «القرآن» حكاهما الماوردي.

قوله تعالى: {فِى رَقّ} قال أبو عبيدة: الرق: الورق. فأما المنشور فهو المبسوط.

قوله تعالى: {وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ} فيه قولان:

أحدهما: أنه بيت في السماء.

وفي أي سماء هو؟ فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه في السماء السابعة. رواه أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم. وحديث مالك بن صعصعة الذي أخرج في «الصحيحين» يدل عليه.

والثاني: أنه في السماء السادسة، قاله علي رضي اللّه عنه.

والثالث: أنه في السماء الدنيا، رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال ابن عباس: هو حيال الكعبة يحجه كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه حتى تقوم الساعة، يسمى الضراح. وقال الربيع بن أنس: كان البيت المعمور مكان الكعبة في زمان آدم، فلما كان زمن نوح أمر الناس بحجه، فعصوه، فلما طغى الماء رفع فجعل بحذاء البيت في السماء الدنيا.

والثاني: أنه البيت الحرام، قاله الحسن. وقال أبو عبيدة: ومعنى: «المعمور» الكثير الغاشية.

قوله تعالى: {وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ} فيه قولان:

أحدهما: أنه السماء، قاله علي رضي اللّه عنه والجمهور.

والثاني:العرش، قاله الربيع.

قوله تعالى: {وَٱلْبَحْرِ} فيه قولان:

أحدهما: أنه بحر تحت العرش ماؤه غليظ يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا فينبتون في قبوهم، قاله علي رضي اللّه عنه.

والثاني: أنه بحر الأرض، ذكره الماوردي.

وفي {ٱلْمَسْجُورِ} أربعة أقوال:

أحدها: المملوء، قاله الحسن، وأبو صالح، وابن السائب، وجميع اللغويين.

والثاني: أنه الموقد، قاله مجاهد، وابن زيد. وقال شمر بن عطية: هو بمنزلة التنور المسجور.

والثالث: أنه اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب، قاله أبو العالية. وروي عن الحسن قال: تسجر، يعني البحار، حتى يذهب ماؤها، فلا يبقى فيها قطرة. وقول هذين يرجع إلى معنى قول مجاهد. وقد نقل في الحديث أن اللّه تعالى يجعل البحار كلها نارا، فتزاد في نار جهنم.

والرابع: أن «المسجور» المختلط عذبه بملحه، قاله الربيع بن أنس. فأقسم اللّه تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن تعذيب المشركين حق، فقال: {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} أي: لكائن في الآخرة. ثم بين متى يقع، فقال:

{يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاء مَوْراً} وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: تدور دورا «رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وهو اختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج.

والثاني: تحرك تحركا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة. وقال أبو عبيدة «تمور» أي: تكفأ، وقال الأعشى: كأن مشيتها من بيت جارتها مرو السحابة لا ريث ولا عجل

والثالث: يموج بعضها في بعض لأمر اللّه تعالى، قاله الضحاك. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل: ٨٨] إلى قوله: {ٱلَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي: يخوضون في حديث محمد صلى اللّه عليه وسلم بالتكذيب والاستهزاء، ويلهون بذكره، فالويل لهم.

و{يَوْمَ يُدَعُّونَ} قال ابن قتيبة: أي: يدفعون، يقال: دععته أدعه، أي: دفعته، ومنه قوله {يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ} [الماعون: ٢] قال ابن عباس: يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار. وقال مقاتل: تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعون إلى جهنم على وجوههم، حتى إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها: {هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} في الدنيا {أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا} العذاب الذي ترون؟ فإنكم زعمتم أن الرسل سحرة {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} النار؟فلما ألقوا فيها قال لهم خزنتها: {ٱصْلَوْهَا}. وقال غيره: لما نسبوا محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى أنه ساحر يغطي على الأبصار بالسحر، وبخوا عند رؤية النار بهذا التوبيخ،

وقيل: {ٱصْلَوْهَا} أي: قاسوا شدتها {فَٱصْبِرُواْ} على العذاب {أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاء عَلَيْكُمْ} الصبر والجزع {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ} جزاء {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من الكفر والتكذيب.

﴿ ١٦