١٣

قوله تعالى: {ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ} قال مقاتل: لما نزل قوله: {ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ} [الفرقان:٦٠] قال كفار مكة: وما الرحمن؟ٰ فأنكروه وقالوا: لا نعرف الرحمن، فقال تعالى: {ٱلرَّحْمَـٰنُ} الذي أنكروه هو الذي «علم القرآن».

وفي قوله: {عَلَّمَ ٱلْقُرْءانَ} قولان:

أحدهما: علمه محمدا، وعلم محمد أمته قاله ابن السائب.

والثاني: يسر القرآن، قاله الزجاج.

قوله تعالى: {خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ} فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه اسم جنس، فالمعنى: خلق الناس جميعا، قاله الأكثرون. فعلى هذا، في «البيان» ستة أقوال:

أحدها: النطق والتمييز، قاله الحسن.

والثاني: الحلال والحرام، قاله قتادة.

والثالث: ما يقول وما يقال له، قاله محمد بن كعب.

والرابع: الخير والشر، قاله الضحاك.

والخامس: طرق الهدى، قاله ابن جريج.

والسادس: الكتابة والخط، قاله يمان.

والثاني: أنه آدم، قاله ابن عباس، وقتادة. فعلى هذا في «البيان» ثلاثة أقوال:

أحدها: أسماء كل شيء.

والثاني: بيان كل شيء.

والثالث: اللغات.

والقول الثالث: أنه محمد صلى اللّه عليه وسلم، علمه بيان ما كان وما يكون، قاله ابن كيسان. قوله تعالى: {ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي بحساب ومنازل، لا يعدوانها؛ وقد كشفنا هذا المعنى في [الأنعام:٩٦] قال الأخفش: أضمر الخبر، وأظنه واللّه أعلم أراد: يجريان بحسبان. قوله تعالى: {وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} في النجم قولان:

أحدهما: أنه كل نبت ليس له ساق، وهو مذهب ابن عباس، والسدي، ومقاتل، واللغويين.

والثاني: أنه نجم السماء، والمراد به: جميع النجوم، قاله مجاهد. فأما الشجر:فكل ما له ساق. قال الفراء: سجودهما: أنهما يستقبلان الشمس إذا أشرقت، ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء. وقد أشرت في [النحل:٤٩] إلى معنى سجود ما لا يعقل. قال أبو عبيدة: وإنما ثني فعلهما على لفظهما. قوله تعالى: {وَٱلسَّمَاء رَفَعَهَا} وإنما فعل ذلك ليحيا الحيوان وتمتد الأنفاس، وأجرى الريح بينها وبين الأرض، كيما يتروح الخلق. ولولا ذلك لماتت الخلائق كربا. قوله تعالى: {وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ} فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه العدل، قاله الأكثرون. منهم مجاهد والسدي واللغويون. قال الزجاج: وهذا لأن المعادلة: موازنة الأشياء.

والثاني: أنه الميزان المعروف، ليتناصف الناس في الحقوق، قاله الحسن، وقتادة، والضحاك.

والثالث: أنه القرآن، قاله الحسين بن الفضل.

قوله تعالى: {أَلاَّ تَطْغَوْاْ} ذكر الزجاج في «أن» وجهين.

أحدهما: أنها بمعنى اللام، والمعنى: لئلا تطغوا.

والثاني: أنها للتفسير، فتكون «لا» للنهي؛ والمعنى: أي: لا تطغوا، أي لا تجاوزوا العدل.

قوله تعالى: {وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ} قال ابن قتيبة: أي لا تنقصوا الوزن. فأما الأنام، ففيهم ثلاثة أقوال:

أحدها: أنهم الناس، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: كل ذي روح، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والشعبي، وقتادة، والسدي، والفراء.

والثالث: الإنس والجن، قاله الحسن، والزجاج.

قوله تعالى: {فِيهَا فَـٰكِهَةٌ} أي، ما يتفكه به من ألوان الثمار {وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلاْكْمَامِ} والأكمام: الأوعية والغلف؛ وقد استوفينا شرح هذا في {حـم}.

قوله تعالى: {ٱلاْكْمَامِ وَٱلْحَبُّ} يريد: جميع الحبوب، كالبر والشعير وغير ذلك. وقرأ ابن عامر: «والحب» بنصب الباء «ذا العصف» بالألف «والريحان» بنصب النون. وقرأ حمزة، والكسائي إلا ابن أبي سريج، وخلف: «والحب» و «العصف والريحان» بخفض النون؛ وقرأ الباقون بضم النون. وفي «العصف» قولان:

أحدهما: أنه تبن الزرع وورقه الذي تعصفه الرياح، قاله ابن عباس. وكذلك قال مجاهد: هو ورق الزرع. قال ابن قتيبة: العصف: ورق الزرع، ثم يصير إذا جف ويبس وديس تبنا.

والثاني: أن العصف: المأكول من الحب، حكاه الفراء.

وفي «الريحان» أربعة أقوال.

أحدها: أنه الرزق، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، والسدي. قال الفراء: الريحان في كلام العرب:الرزق، تقول: خرجنا نطلب ريحان اللّه، وأنشد الزجاج للنمر بن تولب: سلام الإله وريحانه ورحمته وسماء درر

والثاني: أنه خضرة الزرع، رواه الوالبي عن ابن عباس. قال أبو سليمان الدمشقي: فعلى هذا، سمي ريحانا، لاستراحة النفس بالنظر إليه.

والثالث: أنه ريحانكم هذا الذي يشم، روى العوفي عن ابن عباس قال: «الريحان» ما أنبتت الأرض من الريحان، وهذا مذهب الحسن، والضحاك، وابن زيد.

والرابع: أنه ما لم يؤكل من الحب، والعصف: المأكول منه، حكاه الفراء. قوله تعالى: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}

فإن قيل: كيف خاطب اثنين، وإنما ذكر الإنسان وحده؟

فعنه جوابان ذكرهما الفراء.

أحدهما: أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بينا في قوله: {أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ} [ق:٢٤].

والثاني: أن الذكر أريد به الإنسان والجان، فجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها. قال الزجاج: لما ذكر اللّه تعالى في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليم البيان وخلق الشمس والقمر والسماء والأرض، خاطب الجن والإنس، قال: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} أي: فبأي نعم ربكما تكذبان من هذه الأشياء المذكورة، لأنها كلها منعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم. وقال ابن قتيبة: الآلاء: النعم، واحدها: ألاً، مثل: قفا، وإلا، مثل: معى.

﴿ ١٣