١٢

قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ} قال أبو سليمان الدمشقي: لما قال المشركون: متى هذا الوعد، متى هذا الفتح؟ٰ نزل قوله: {إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ}، فالمعنى: يكون إذا وقعت الواقعة.

قال المفسرون: والواقعة: القيامة، وكل آت يتوقع، يقال له إذا كان: قد وقع، والمراد بها ها هنا: النفخة في الصور لقيام الساعة. {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا} أي: لظهورها ومجيئها {كَاذِبَةٌ} أي: كذب، كقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَـٰغِيَةً} [الغاشية: ١١] أي: لغوا. قال الزجاج: و«كاذبة» مصدر، كقولك: عافاه اللّه عافية، وكذب كاذبة، فهذه أسماء في موضع المصدر. وفي معنى الكلام قولان:

أحدهما: لا رجعة لها ولا ارتداد، قاله قتادة.

والثاني: ليس الإخبار عن وقوعها كذبا، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: {خَافِضَةٌ} أي: هي خافضة {رَّافِعَةٌ} وقرأ أبو رزين، وابو عبد الرحمن، وأبو العالية، والحسن، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة، واليزيدي في اختياره: «خافضة رافعة» بالنصب فيهما.

وفي معنى الكلام قولان:

أحدهما: أنها خفضت فأسمعت القريب، ورفعت فأسمعت البعيد، رواه العوفي عن ابن عباس. وهذا يدل على أن المراد بالواقعة: صيحة القيامة.

والثاني: أنها خفضت ناسا، ورفعت آخرين، رواه عكرمة عن ابن عباس.

قال المفسرون: تخفض أقواما إلى أسفل السافلين في النار، وترفع أقواما إلى عليين في الجنة.

قوله تعالى: {إِذَا رُجَّتِ ٱلاْرْضُ رَجّاً} أي: حركة حركة شديدة وزلزلت، وذلك أنها ترتج حتى ينهدم ما عليها من بناء، ويتفتت ما عليها من جبل. وفي ارتجاجها قولان:

أحدهما: أنه لإماتة من عليها من الأحياء.

والثاني: لإخراج من في بطنها من الموتى.

قوله تعالى: {وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً} فيه قولان:

أحدهما: فتتت فتا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. قال ابن قتيبة: فتتت حتى صارت كالدقيق والسويق المبسوس.

والثاني: لتت، قاله قتادة. وقال الزجاج: خلطت ولتت. قال الشاعر:

لا تخبزوا خبزا وبسا بسا

وفي «الهباء» أقوال قد ذكرناها في {ٱلْفُرْقَانَ}. وذكر ابن قتيبة أن الهباء المنبث: ما سطع من سنابك الخيل، وهو من «الهبوة» والهبوة: الغبار. والمعنى: كانت ترابا منتشرا.

قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً} أي: أصنافا {ثَلَـٰثَةً}. {فَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ} فيهم ثمانية أقوال:

أحدها: أنهم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت ذريته من صلبه، قاله ابن عباس.

والثاني: أنهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، قاله الضحاك، والقرظي.

والثالث: أنهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم، أي: مباركين، قاله الحسن، والربيع.

والرابع: أنهم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم.

والخامس: أنهم الذين منزلتهم علن اليمين، قاله ميمون بن مهران.

والسادس: أنهم أهل الجنة، قاله السدي.

والسابع: أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج.

والثامن: أنهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، ذكره علي بن أحمد النيسابوري.

قوله تعالى: {مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ} قال الفراء: عجب نبيه صلى اللّه عليه وسلم منهم؛ والمعنى: أي شيء هم؟ٰ قال الزجاج: وهذا اللفظ في العربية مجراه مجرى التعجب، ومجراه من اللّه عز وجل في مخاطبة العباد ما يعظم به الشأن عندهم، ومثله: {مَا ٱلْحَاقَّةُ} [الحاقة: ٢] {مَا ٱلْقَارِعَةُ} [القارعة: ٢]؛ قال ابن قتيبة: ومثله أن يقول: زيد ما زيدٰ أي: أي رجل هوٰ {وَأَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ مَا أَصْحَـٰبُ ٱلْمَشْـئَمَةِ} أي: أصحاب الشمال، والعرب تسمي اليد اليسرى: الشؤمى، والجانب الأيسر: الأشأم، ومنه قيل: اليمن والشؤم، فاليمن: كأنه ما جاء عن اليمين، والشؤم ما جاء عن الشمال، ومنه سميت «اليمن» و«الشأم» لأنها عن يمين الكعبة وشمالها.

قال المفسرون: أصحاب الميمنة: هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين، ويعطون كتبهم بأيمانهم؛ وتفسير أصحاب المشأمة على ضد تفسر أصحاب الميمنة سواء؛ والمعنى: أي قوم هم؟ٰ ماذا أعد لهم من العذاب؟ٰ.

قوله تعالى: {وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} فيهم خمسة أقوال:

أحدها: أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، وقتادة.

والثاني: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين.

والثالث: أهل القرآن، قاله كعب.

والرابع: الأنبياء، قاله محمد بن كعب.

والخامس: السابقون إلى المساجد وإلى الخروج في سبيل اللّه، قاله عثمان بن أبي سودة. وفي إعادة ذكرهم قولان:

أحدهما: أن ذلك للتوكيد.

والثاني: أن المعنى: السابقون إلى طاعة اللّه هم السابقون إلى رحمة اللّه ذكرهما الزجاج.

قوله تعالى: {أُوْلَـئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ} قال أبو سليمان الدمشقي: يعني عند اللّه في ظل عرشه وجواره.

﴿ ١٢